1-
وقت تعامد الشمس، وعند الطلوع والغروب، والمنهي عنه في حالة الطلوع يستمر
حتى ترتفع قدرَ رمحٍ، وفي حالة الغروب من وقت شروع الشمس في الغروب حتى
تغرب؛ وذلك لما روى عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نُقبِر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس
بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيَّف
الشمس للغروب" [1].
وقد ورد تعليلُ النهي عن هذه الثلاثة في
حديث ابن عبسة قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني عن الصلاة، قال: ((صلِّ
صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان،
وحينئذٍ يسجدُ لها الكفَّار، ثم صلِّ فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى يستقل
الظل بالرمح، ثم أقصِرْ عن الصلاة؛ فإنه حينئذٍ تسجر جهنَّم، فإذا أقبل
الفيء[2]،
فصلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلِّي العصر، ثم أقصِرْ عن الصلاة
حتى تغرُبَ الشمس؛ فإنها تغرُبُ بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها
الكفَّار)) [3].
والنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة
السالفة عامٌّ بلفظِه لفرضِ الصلاة ونفلِها، والنهي للتحريم ما لم يصرِفْه
صارف، ولكن استُثنِي من حرمةِ الصلاة في هذه الأوقات، قضاءُ الفرائض
الفائتة؛ لما روى أنسٌ - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((مَن نسي صلاة، فليُصلِّها إذا ذكرها، لا كفَّارة لها إلا ذلك))[4].
وفي رواية أبي قتادة - رضي الله عنه -: ((فإذا نسي أحدُكم صلاةً أو نام عنها، فليُصلِّها إذا ذكرها)) [5].
ويرى الحنفية عدم صحة الصلاة مطلقًا في
هذه الأوقات، سواء كانت مفروضة أو نافلة، قضاءً أو أداءً، واستثنوا عصر
اليوم وصلاة الجنازة إن حضرت في هذه الأوقات، فإنها تُصلَّى بلا كراهة،
وكذلك استثنوا سجدة التلاوة [6].
وأما الشافعية، فيرون أن الصلاةَ في هذه
الأوقات مكروهةٌ كراهية تحريم، ولكن يستثنون من ذلك قضاء الفوائت، والنَّفل
بسببٍ كتحية المسجد، والاستسقاء، وصلاة الجنازة، وغيرها.
والمالكية يرون حرمةَ صلاة النافلة في هذه الأوقات عدا وقتِ الاستواء، فإنه ليس بوقتِ نهيٍ في المشهور عندهم.
حكم صلاة النافلة يوم الجمعة في ساعة الزوال:
ذهب الشافعية وأبو يوسف من الحنفية إلى
إباحة الصلاة وقت الزوال يوم الجمعة؛ لما رواه البيهقي في المعرفة من حديث
أبي سعيد وأبي هريرة قالا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهَى عن
الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة"، والحديث وإن كان ضعيفًا؛ لأن فيه
إبراهيم بن يحيى، وإسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، وهما ضعيفان، لكن يشهد له
قول أبي قتادة: "وكرِه النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاةَ نصف النهار إلا
يوم الجمعة"، وقال: ((إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة))؛ رواه أبو داود،
وقال: إنه مرسل، فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، إلا أنه أيَّده فعلُ أصحاب
النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم كانوا يُصلُّون نصفَ النهار يوم الجمعة؛
ولأنه -صلى الله عليه وسلم- حثَّ على التبكير إليها، ثم رغَّب في الصلاة
إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء.
2- وقت ما بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وما بعد صلاة العصر حتى تشرع في الغروب:
والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلِّق بفعل
الصلاة بالإجماع، بمعنى أن مَن لم يُصَلِّ أبيح له التنفُّل، ومَن صلَّى
العصر، فليس له التنفل.
وأما النهي عن الصلاة بعد الفجر، فمختلف فيه على قولين:
الأول:
وهو رأي الحنابلة في المعتمد عندهم، والحنفية، وسعيد بن المسيب، وغيرهم:
أن النهي متعلِّق بطلوع الفجر لا بالصلاة، وهذا هو رأي المالكية أيضًا.
الثاني: وهو
رأي الشافعية وغيرهم: أن النهي متعلِّق بصلاة الفجر كما هو الحال في
العصر، والدليل على النهي عن الصلاة في هذين الوقتين ما رواه أبو سعيد
الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة
بعد الصبح))، وفي رواية: ((بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد
العصر حتى تغيب الشمس))[7].
وسبب الخلاف بين العلماء يرجعُ إلى
تعارُضِ الحديث السابق الذي يُعلِّق النهي بفعل الصلاة مع رواية أخرى رواها
يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا
يسار، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة،
فقال: ((ليبلغ شاهدُكم غائبَكم، لا تُصلُّوا بعد الفجر إلا سجدتينِ)) [8]، وفي لفظ: ((لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا سجدتان))[9].
فالشافعية ومَن معهم استدلوا بالحديث
الأول، والحنابلة ومَن معهم استدلوا بالحديث الثاني، والحق معهم؛ حيث إن
الحديث الأول مُجمَل بيَّنه مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث
الثاني، كما أن الدليل في الأوَّل دليل خطاب، وفي الثاني دليل منطوق؛ فيكون
أولى.
هذا، والقائلون بأن النهي مُتعلِّق بطلوع الفجر لا بصلاة الصبح، مختلفون في بعض الصلوات هل تُصلَّى بعد الفجر وقبل الصلاة أم لا؟
فالحنفية، وسعيد بن جبير، وعطاء، والنخعي،
على المنع مطلقًا، والحنابلة على إباحة صلاة الوتر بعد طلوع الفجر قبل
الصلاة، وهذا هو رأي المالكية، ولكن الإجماع منعقدٌ على إباحة ركعتي الفجر
قبل الصلاة، وكذلك على إباحة الصلاة على الجنازة في هذين الوقتين، بخلاف
الأوقات الأخرى فيها الخلاف المذكور[10].
وحرمة الصلاة في هذين الوقتين عام يشمل
جميعَ الصلوات، إلا أنه ينطبقُ عليه ما ينطبق على الأوقات الثلاثة السالفة،
من جواز قضاء الفرائض في هذه الأوقات، خلافًا للحنفية الذين لا يبيحون
مطلقًا، وخلافًا للشافعية الذين يجيزون النفل بسبب.
حكم قضاء النوافل بعد صلاة الصبح والعصر:
ذهب الحنابلة والشافعية إلى جواز قضاء
النوافل بعد صلاة الصبح وصلاة العصر، أما جواز القضاء بعد صلاة الصبح، فلما
روي عن قيس بن فهد قال: رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أُصلِّي
ركعتَي الفجر بعد صلاة الفجر، فقال: ((ما هاتان الركعتان يا قيس؟))، قلت:
يا رسول الله، لم أكن صلَّيت ركعتي الفجر، فهما هاتان"[11]، قالوا: وسكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على الجواز.
وأما دليلهم على إباحة قضاء النافلة بعد
صلاة العصر، فلما روي عن أم سلمة قالت: صلَّى النبي -صلى الله عليه وسلم-
بعد العصر ركعتينِ، وقال: ((شغلني ناسٌ من عبدالقيس عن الركعتين بعد
الظهر))[12].
فهذان دليلان على جواز قضاء النافلة في
وقت الكراهة، لا أنهما دليلان على أنه لا يكره النفل مطلقًا؛ إذ الأخص لا
يدل على رفع الأعم، بل يخصصه[13].
وأما الحنفية، فيذهبون إلى عدم جواز قضاء النافلة في هذين الوقتين؛ لعموم النهي.
حكم الصلاة في مكَّة في أوقات النهي:
ذهب الشافعية إلى أن الصلاة في مكة جائزة في كل الأوقات، حتى ولو كان الوقت منهيًّا عن الصلاة فيه.
وذهب الإمام أحمد إلى أن الجائز في مكة في
هذه الأوقات، هو ركعتا الطواف فقط دون ما عداهما، وممن طاف وصلى أثناء
النهي: ابن عمر، وابن الزبير، وعطاء، وطاوس، وابن عباس، والحسن، والحسين،
وغيرهم، واستدلوا بما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ((يا بني
عبدمناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى في أي ساعة شاء من ليل أو
نهار))[14]، فالحنابلة يقولون: إن الحديث يختص بركعتي الطواف فقط، والشافعية يقولون بالتعميم في الحرم المكي.
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم جواز ذلك؛ لعموم أحاديث النهي.
[1] رواه مسلم.
[2] الفيء: ما كان شمسًا فنسخه الظل؛ لسان العرب مادة فيأ، والمقصود: حتى تميل الشمس؛ أي: تزول عن تعامدها.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه البخاري ومسلم.
[5] رواه النسائي، والترمذي، وصححه.
[6]
حجة الحنفية في ذلك أن النهي عامٌّ؛ فيتناول الفرائض وغيرها، وقد أجاب
الجمهور بورود المخصص لذلك في حديث النوم عن الفريضة أو نسيانها كما تقدم.
واحتجوا أيضًا بأن النبي - صلى الله عليه
وسلم - لما نام عن صلاة الفجر في الوادي ثم استيقظ بعد طلوع الشمس، أخَّرها
حتى ابيضَّت الشمس وخرج الوقت المكروه؛ متفق عليه.
وأجاب الجمهور على ذلك بأنه - صلى الله
عليه وسلم - لم يستيقظ هو وأصحابه إلا حين أصابهم حرُّ الشمس، كما ثبت في
الحديث، ولا يوقظهم حرُّها إلا وقد ارتفعت، وزال وقت الكراهة.
[7] متفق عليه.
[8] رواه أبو داود.
[9] رواه الدارقطني.
[10] والسر في التفرقة عند مَن لا يجيز ذلك في غير هذين الوقتين هو النهي الوارد عن قبر الموتى في الأوقات الثلاثة.
[11] رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
[12] رواه البخاري.
[13] وهذا يرد به على من أباح النفل مطلقًا بعد الوقتين كالظاهرية وغيرهم.
[14] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق