بيان عقيدة اهل السنة والجماعة في الاعتصام بالكتاب والسنة
هذا تلخيص جميل ومفيد لابن تيمية يوضح فية اهمية الاعتصام بكتاب الله ونبز التفرق والتحزير من تكفير المسلمين لبعضهم البعض ..احببت ان تطلعوا عليه فاليكم ماقاله...
قال الله تعالى و تقدس: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون* و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا, و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا, و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها, كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون * و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات و أولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه و تسود وجوه) قال ابن عباس و غيره: تبيض وجوه أهل السنة و الجماعة, و تسود وجوه أهل البدعة و الفرقة (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * و أما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون).
اقراء المزيد بالضغط علي الرابط اسفل
و في الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه و سلم في الخوارج "أنهم كلاب أهل النار" و قرأ هذه الآية (يوم تبيض وجوه و تسود وجوه). قال الإمام أحمد بن حنبل: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه. و قد خرجها مسلم في صحيحه, و خرج البخاري طائفة منها. قال النبي صلى الله عليه و سلم "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, و صيامه مع صيامهم و قراءته مع قراءتهم, يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية –و في رواية- يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان".
و الخوارج هم أول من كفر المسلمين. يكفرون بالذنوب و يكفرون من خالفهم في بدعتهم و يستحلون دمه و ماله. و هذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة و يكفرون من خالفهم فيها. و أهل السنة و الجماعة يتبعون الكتاب و السنة و يطيعون الله و رسوله, فيتبعون الحق, و يرحمون الخلق.
و أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج و الشيعة, حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, فعاقب الطائفتين. أما الخوارج فقاتلوه فقتلهم, و أما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار و طلب قتل عبد الله بن سبأ فهرب منه, و أمر بجلد من يفضله على أبي بكر و عمر. و روي عنه من وجوه كثيرة أنه قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" و رواه عنه البخاري في صحيحه.
فصل:
و من أصول أهل السنة و الجماعة أنهم يصلون الجمع و الأعياد و الجماعات, لا يدعون الجمعة و الجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة و غيرهم, فإن كان الإمام مستورا لم يظهر منه بدعة و لا فجور صلى خلفه الجمعة و الجماعة باتفاق الأئمة الأربعة و غيرهم من أئمة المسلمين, و لم يقل أحد من الأئمة إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره, بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور, و لكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور و أمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره, فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم, و هذا مذهب الشافعي و أبي حنيفة, و هو أحد القولين في مذهب مالك و أحمد. و أما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر و ليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع و الفاجر عند عامة أهل السنة و الجماعة. و هذا مذهب الشافعي و أبي حنيفة و أحمد بن حنبل و غيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم.
و كان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الإستحباب, كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله. و لم يقل أحمد إنه لا تصح إلا خلف من اعرف حاله.
و لما قدم أبو عمر و عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر -و كان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع, و كانوا باطتية ملاحدة, و كان بسبب ذلك قد كثرت البدع و ظهرت بالديار المصرية- أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك ثم بعد موته فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين و ظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة, ثم صار العلم و السنة يكثر بها و يظهر.
فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين, و من قال إن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة و الجماعة. و قد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره, كما صلى عبد الله بن مسعود و غيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط و كان قد يشرب الخمر و صلى مرة الصبح أربعا و جلده عثمان بن عفان على ذلك.
و كان عبد الله بن عمر و غيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن بوسف. و كان الصحابة و التابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد و كان متهما بالإلحاد و داعيا إلى الضلال.
فصل:
و لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله و لا بخطأ أخطأ فيه, كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة, فإن الله تعالى قال (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله, لا نفرق بين أحد من رسله, و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير) و قد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء و غفر للمؤمنين خطأهم.
و الخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين. و اتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة و التابعين و من بعدهم. و لم يكفرهم علي بن أبي طالب و سعد بن أبي وقاص و غيرهما من الصحابة, بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم, و لم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام و أغاروا على أموال المسلمين, فقاتلهم لدفع ظلمهم و بغيهم لا لأنهم كفار. و لهذا لم يسب حريمهم و لم يغنم أموالهم.
و إذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص و الإجماع لم يكفروا مع أمر الله و رسوله صلى الله عليه و سلم بقتالهم, فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى و لا تستحل دمها و مالها, و إن كانت فيها بدعة محققة, فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضا؟ و قد تكون بدعة هؤلاء أغلظ و قد تكون بدعة هؤلاء أغلظ, و الغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه.
و الأصل أن دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله و رسوله. قال النبي صلى الله عليه و سلم لما خطبهم في حجة الوداع "إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" و قال صلى الله عليه و سلم "كل المسلم على المسلم حرام: دمه و ماله و عرضه". و قال صلى الله عليه و سلم "من صلى صلاتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله و رسوله" و قال "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار" قيل يا رسول الله هذا القاتل, فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه" و قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" و قال "إذا قال المسلم لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما" و هذه الأحاديث كلها في الصحاح.
و إذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك كما قال عمر ابن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال النبي صلى الله عليه و سلم: "إنه قد شهد بدرا, و ما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر, فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟" و هذا في الصحيحين. و فيهما أيضا: من حديث الإفك: أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين, و اختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه و سلم بينهم. فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم: إنك منافق, و لم يكفر النبي صلى الله عليه و سلم لا هذا و لا هذا, بل شهد للجميع بالجنة.
و كذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعد ما قال لا إله إلا الله و عظم النبي صلى الله عليه و سلم ذلك لما أخبره و قال: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟" و كرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. و مع هذا لم يوجب عليه قودا, و لا دية, و لا كفارة, لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا.
فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل و صفين و نحوهم و كلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: (و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إن الله يحب المقسطين) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, و بغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, و أمر بالإصلاح بينهم بالعدل.
و لهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, و يأخذ بعضهم العلم عن بعض و يتوارثون و يتناكحون و يتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال و التلاعن و غير ذلك.
و قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم سأل ربه " أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, و سأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, و سأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك" و أخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا و بعضهم يسبي بعضا.
و ثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) قال "أعوذ بوجهك" (أو من تحت أرجلكم) قال "أعوذ بوجهك" (أو يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض) قال "هاتان أهون".
هذا مع أن الله أمر بالجماعة و الائتلاف, و نهى عن البدعة و الاختلاف, و قال: (إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء) و قال النبي صلى الله عليه و سلم: " عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة" و قال: " الشيطان مع الواحد و هو من الإثنين أبعد" و قال: " الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم و الذئب إنما يأخذ القاصية و النائية من الغنم".
فالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة و الجماعة و يوالي المؤمنين و لا يعاديهم, و إن رأى بعضهم ضالا أو غاويا و أمكن أن يهديه و يرشده فعل ذلك, و إلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها, و إذا كان قادرا على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه, و إن قدر أن يمنع من يظهر البدع و الفجور منعه. و إن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله و سنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله و رسوله أفضل, كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا".
و إن كان في هجره لمظهر البدعة و الفجور مصلحة راجحة هجره, كما هجر النبي صلى الله عليه و سلم الثلاثة الذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. و أما إذا ولي غيره بغير إذنه و ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة و الجماعة جهلا و ضلالا, و كان قد رد بدعة ببدعة.
حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة و كرهها أكثرهم, حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. و هذا أظهر القولين, لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور و البدع, و لم يأمر الله تعالى قط أحدا إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. و لهذا كان أصح قولي العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد و من عدم الماء و التراب إذا صلى بحسب حاله, و المحبوس و ذووا الأعذار النادرة و المعتادة و المتصلة و المنقطة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق