ثقافه

اخر الأخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

الأحد، 23 فبراير 2014

وصف تفصيلى للصلاة من التكبير للتسليم





الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي لله  عليه وسلم ..
وبعد
 نتناول في مقالنا هذا  وصف مفصل للصلاة مقرون بالدليل من الكتاب والسنة، وبيان لأحكامها وآدابها وشروطها وسننها من التكبير حتى التسليم  وكيفية الجمع والقصر للصلاة وكيفية الصلاة بالطائرة والسفينة وصلاة الراكب عموما .. وجميع ما يتعلق بالصلاة وهذه المادة مأ خوذة من كتاب الصلاة للدكتور أ. د / عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار وتم اعداد الملف بواسطة المكتبة الشاملة ونحن نتشرف بنشره لما فيه فائدة عظيمة ووصف دقيق وشامل للصلاة حتى يتحقق لنا وللقارئ  الفهم السليم لهذا الركن الثانى من اركان الاسلام  ومن ثم الاتيان به علي الوجه السليم والصحيح الذي يريده الله منا وحتى نستكمل اسلامنا وايماننا .. فالى ما ورد بهذه المادة

اولا : صفة الصلاة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مالك بن الحويرث " ... وصلوا كما رأيتموني أصلي ... " البخارى 1، وقد وقف  جبريل عليه السلام اماما للنبي صلى الله عليه وسلم عند باب الكعبة معلما إياه كيفية الصلاة وأوقاتها، وقد تعلمها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وتناقلها المسلمون من بعدهم، جيلا من بعد جيل حتى زمننا الحاضر.
والصلاة عبادة يشترط لها الإخلاص لله سبحنه وتعالى، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يخلص لله فقد أشرك ولا تصح عبادته، لقول الله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} الزمر، ومن لم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبادته مردودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" مسلم .
والصلاة هي أعظم أركان الإسلام، من تركها جحودا وإنكارا كفر وخرج من الإسلام، ومن تركها تكاسلا وتشاغلا عنها دون عذر شرعي كان كافرا، والسنة الصريحة في ذلك، عن جابر رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" مسلم .


والصلاة قيام فيه قراءة قران (والفاتحة شرط اساسي )، وركوع فيه تسبيح وتقديس للرب ، واعتدال منه فيه حمد وثناء علي الله،


وسجدتان بينهما جلسة فيهما تسبيح وتقديس لله، وكل هذا يسمى ركعة، والصلاة تتكون من ركعات، والصلوات المفروضة خمس: الصبح فرضه ركعتان في الحضر والسفر، والظهر والعصر والعشاء فرض كل صلاة أربع ركعات في الحضر وركعتان في السفر، والمغرب فرضه ثلاث ركعات في الحضر والسفر.
والصلاة يؤديها المسلم منفردا أو في جماعة، فإذا صلى في جماعة فما أحسن أن يتوضأ المسلم في بيته ويسبغ الوضوء، ثم يخرج بنية الصلاة مع الجماعة، فإن فعل ذلك فلم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد.." رواه مسلم .
وينبغي أن يمشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، لأنه مقبل على مكان يقف فيه بين يدي الله عز وجل، ولا يسرع حتى لو خاف أن تفوته الصلاة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" رواه  البخاري
، فهذا أدب مع الله عز وجل.لان الاسراع لايجلب الخشوع ابدا وهذا مجرب .. تدخل الصلاة وانت قد تملكك الشيطان باعتبارك خالفت قول النبي بعدم الاسراع  وفقدت الطمأنينة الاولى ومن ثم تكون اغلب ركعاتك  بدون خشوع وهذا مشاهد ومجرب كما اسلفت
فإذا دخل المسلم المسجد صلى ما تيسر له ما لم يكن أذن، فإن كان قد أذن صلى الراتبة، وإن لم يكن للفريضة الراتبة قبلها صلى سنة ما بين الأذانين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بين كل الأذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة".
__________


ثم قال في الثالثة: لمن شاء" رواه البخاري  ، وتجزىء هذه الصلاة أو الراتبة عن تحية المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" رواه البخاري ، ويتفق ذلك بصلاة الراتبة، أو سنة ما بين الأذانين، بعدها يجلس المسلم بنية انتظار الصلاة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفرله، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة" رواه البخاري.
ولا يضره تأخر الإمام، لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة، والملائكة تصلي عليه وتستغفر له ما دام في مصلاه.
فإذا أقيمت الصلاة قام، ولا بأس بالقيام في أول الإقامة أو في أثنائها أو عند انتهائها، فكل ذلك جائز، لأن السنة لم تحدد موضع القيام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" رواه البخاري ، والغاية أن يتهيأ المسلم للدخول في الصلاة حتى لا تفوته تكبيرة الإحرام.
وتجب تسوية الصف، لما روي عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" رواه البخاري.
__________



قال النووي: معناه يوقع بينكم العدواة والبغضاء واختلاف القلوب1.
ولا يخفى ما في ترك تسوية الصفوف من الإثم والمخالفة، ولهذا وجبت التسوية، ولا يجوز التفريط فيها لحرمة ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتسوية الصف، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة " رواه البخاري.
ولا تعني مخالفة التسوية بطلان الصلاة على الراجح، لأن التسوية واجب للصلاة، وليست واجبا فيها، والواجب للصلاة يأثم تاركه ولا تبطل به الصلاة كالأذن.
والعبرة بالتسوية المحاذاة والموازاة، لما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه" رواه البخاري ، وقال النعمان بن بشير: "رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه" رواه ابوداوود. هذا هو المعتبر.
وينبغي مع المحاذاة التراص في الصف، بأن لا يترك فرجات للشياطين، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله،
__________




ومن قطع صفا قطعه الله" 1، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف" 2"3.
كما ينبغي إكمال الصف الأول قبل الشروع في الصف الثاني، وهكذا، مع مراعاة التقارب بين الصفوف والإمام، ويلزم أن تفرد صفوف النساء وحدها خلف الرجال، ويجب تأخيرها عن صفوف الرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها" 4.
وبعد أن يسوي الصف مستقبلا القبلة بجميع بدنه قاصدا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا يتلفظ بالنية، لأن التلفظ بها غير مشروع وبدعة، ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنه تلفظ بها.
ويجعل له سترة يصلى إليها إن كان إماما أو منفردا، لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ... " 5.
__________
1 رواه أبو داود 1/133 ح 666، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود1/131 ح 620.
2 الحذف: غنم صغار سود تكون بأرض اليمن.
3 رواه أبو داود 1/434 ح 667، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/131 ح 621.
4 رواه مسلم 1/326 ح440.
5 رواه مسلم 1/365 ح510.
(1/115)


ويكبر تكبيرة الإحرام قائلا: " الله أكبر" ناظرا ببصره إلى محل سجوده، ولا يجزئ غيرها، لأن ألفاظ الذكر توقيفية، يتوقف فيها على ماورد به النص، ولا يجوز إبدالها بغيرها، فإن عجز عن النطق بها لعدم معرفته باللغة العربية، كبر بلغته ولا حرج عليه، لقول الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 1، ولا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، لحديث علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" 2.
ويرفع يديه مضمومتي الأصابع ممدودة حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، قبل التكبير أو بعده أو معه، فكل هذه الصفات فاعلها مصيب للسنة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، ولا يفعل ذلك في السجود " 3.
وينبغي فعل العبادات الواردة على وجوه متنوعة في أوقات مختلفة لما في ذلك من حضور القلب واتباع السنة وإحيائها.
__________
1 سورة البقرة، الآية (286) .
2 رواه الترمذي 1/9 ح 3، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/4 ح 3:حسن صحيح.
3 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع.
(1/116)


وبعد أن ينزل يديه من الرفع، يضعهما على صدره، اليمنى على ظهر كفه اليسرى، قابضا بيمناه كوع 1 يسراه، أو واضعا يده على الذراع من غير قبض، فكلاهما سنة.
ويسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح، لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يارسول الله بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماتقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" 2، وإن شاء قال بدلا عن ذلك: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" 3، أو يقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" 4، أو غير ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
1 الكوع: هو العظم الذي يلي الإبهام (أي مفصل الكف من الذراع) ، ويقابله الكرسوع: وهو الذي يلي الخنصر، والرسغ هو الذي بينهما.
2 رواه البخاري 1/181 كتاب الأذان، باب مايقول بعد التكبير، ومسلم 1/419 ح 598 واللفظ له.
3 رواه مسلم بسند في انقطاع 1/299 ح 399، والدارقطني موصولا وموقوفا على عمر1/299 باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير، وقد روي هذا الحديث من عدة طرق، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 288/229 ح 340 رواه أبو داود والحاكم ورجال إسناده ثقات، لكن فيه انقطاع.... قال ابن خزيمة: هذا صحيح عن عمر لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحاكم: وقد صح ذلك عن عمر.
4 رواه مسلم 1/534 ح 770.
(1/117)


وينبغي للإنسان أن يستفتح بهذا مرة، وهذا مرة، ليأتي بالسنن كلها، وليكون ذلك إحياء للسنة وإحضارا للقلب، ولا يجمع بينها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجمع بينها في جوابه على سؤال أبي هريرة.
ثم يقول: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم" ويقرأ: سورة الفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" 1.
والفاتحة ركن من أركان الصلاة، وشرط لصحتها، فلا تصح الصلاة بدونها، يقولها المصلي في كل ركعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته حين وصف له الركعة الأولى قال: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" 2، فكما أن الركوع والسجود والقيام والقعود ركن في كل ركعة، فكذلك قراءة الفاتحة ولا فرق، وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم على قراءتها في كل ركعة، ولم يحفظ عنه أنه أخل بها في ركعة من الركعات.
ولا تسقط إلا عن مسبوق أدرك الإمام راكعا أو قائما ثم شرع فيها وخاف أن يفوته الركوع قبل أن يتمها، لحديث أبي بكرة رضي الله عنه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصا ولا تعد" 3، ولم يأمره بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها دون قراءتها، ولو كانت الركعة غير صحيحة لأمره بإعادتها كما أمر المسيء صلاته بإعادة الصلاة لعدم الإتيان بأركانها. والفاتحة ركن في القيام، والمسبوق سقط عنه القيام لمتابعة إمامه، فلما سقط عنه المحل سقط الحال. وتجب قراءة الفاتحة ركنا على الإمام والمأموم
__________
1 رواه مسلم 1/295 ح 394.
2 رواه البخاري 1/192 كتاب الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة.
3 رواه البخاري 1/190 كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف.
(1/118)


والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، ولا تسقط إلا عن المسبوق الذي ذكرنا.
وقد دلت السنة على وجوب قراءتها على المأموم في صلاة الفجر، وصلاة الفجر جهرية، ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: " لعلكم تقرؤون خلف إمامكم " قلنا: نعم. هذا يارسول الله، قال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" 1.
وروى الإمام أحمد رحمه الله عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب محمد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقرءوون والإمام يقرأ"، قالها ثلاثا، قالوا: إنا لنفعل ذاك، قال: "فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب" 2.
ويقول بعد الفاتحة (آمين) للمنفرد والمأموم والإمام، جهرا في الصلاة الجهرية، وسرا في السرية، وينبغي للمأموم أن يوافق الإمام فلا يسبقه ولا يتأخر عنه، ويسن أن يقرأ بعدها ما تيسر من القرآن.
ثم يركع مكبرا رافعا يديه حذو منكبيه أو أذنيه، ثم يضعهما على ركبتيه معتمدا عليهما، مفرقا أصابعه، جاعلا رأسه مستويا مع ظهره،
__________
1 رواه أبو داود 1/515 ح 823، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/231 ح 344: صححه أبو دود والترمذي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي من طريق ابن إسحاق ... ومن شواهده ما رواه أحمد من طريق خالد الحذاء.
2 رواه أحمد 5/410، حديث رجل م أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/231: إسناده حسن، ورواه ابن حبان من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس.
(1/119)


ويطمئن في ركوعه ويقول: "سبحان ربي العظيم"، والأفضل أن يكررها ثلاثا أو أكثر، فيجتمع بهذا الذكر التعظيم القولي، وبالركوع التعظيم الفعلي لله سبحانه وتعالى. ويستحب أن يزيد على"سبحان ربي العظيم" (وبحمده) ، لورود ذلك في السنة الصحيحة، كما يشرع له ما صح به الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" 1، ومما صحت به السنة أيضا ماروي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" 2.
ويسن أن يفرج عضديه عن جنبيه ما لم يؤذ جاره، فإن آذاه فلا ينتهك حرمة المسلم من أجل فعل سنة.
ثم يرفع رأسه من الركوع رافعا يديه إلى حذوا منكبيه أو أذنيه قائلا: "سمع الله لمن حمده" 3 إن كان إماما أو منفردا، ويقول حال قيامه: "ربنا ولك الحمد"، وبعد رفعه: " حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه". ملء السماوات وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد4 أما إن كان مأموما فإنه يقول عند الرفع: " اللهم ربنا ولك الحمد"، فإذا اطمأن قائما قال: "حمدا كثيرا طيبا ... " إلى آخر ما تقدم.
والرفع من الركوع ركن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ثم ارفع حتى تعتدل قائما"5، أما رفع اليدين فإنه سنة، ويشرع أن يزاد بعد
__________
1 رواه البخاري 1/193 كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع.
2 رواه سلم 1/353 ح 487.
3 رواه البخاري 1/193 كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد.
4 رواه مسلم 1/347 ح 477.
5 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها....
(1/120)


القيام من الركوع: " ... أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"1.
ويستحب أن يضع كل منهم يده اليمنى على اليسرى على صدره، كما فعل في قيامه قبل الركوع، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن2 حجر وسهل3 بن سعد رضي الله عنهما.
ولقد دلت السنة على مقدار الاعتدال بعد الركوع، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: " رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف، قريبا من السواء"4.
ثم يسجد مكبرا واضعا ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه، مستقبلا بأصابع رجليه ويديه القبلة، ضاما أصابع يديه، ويكون على أعضاء السجود السبعة، الجبهة مع الأنف، واليدين والركبتين، وبطون أصابع الرجلين، ويقول: " سبحان ربي الأعلى"، ويكرر ذلك ثلاثا أو أكثر.
ويستحب أن يقول مع ذلك: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" ويقول" سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود
__________
1 رواه مسلم 1/347/477.
2 رواه ابن خزيمة 1/243 ح 479، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/224 ح 331: وأصله في صحيح مسلم.
3 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى.
4 رواه مسلم 1/343 ح 471.
(1/121)


فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" 1، ويسأل ربه من خير الدنيا والآخرة سواء أكانت الصلاة فرضا أم نفلا، ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" 2.
وللمصلي أن يضع يديه على الأرض حذاء المنكبين، وإن شاء قدمهما وجعلهما حذاء الجبهة أو فروع الأذنين، فكل هذا مما جاءت به السنة.
والسجود من كمال التعبد لله والذل له سبحانه، فالإنسان يضع أشرف ما فيه وهو وجهه بحذاء أدنى ما فيه وأسفل ما فيه وهو قدمه، تعبدا لله تعالى وتقربا إليه.
ومن أجل ذلك يكون الإنسان أقرب إلى الله وهو ساجد، قال الله تعالى: {واسجد واقترب} 3، لذا ينبغي أن تسجد قلوبنا قبل أن تسجد جوارحنا، حتى يدرك الإنسان في هذا الذل والتواضع لله عز وجل لذة السجود وحلاوته، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" 4.
ثم يرفع رأسه مكبرا، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، ظهرها إلى الأرض وبطنها إلى أعلى، وينصب رجله اليمنى، ويضع يديه على
__________
1 رواه مسلم 1/348 ح 479.
2 رواه البخاري 1/200 كتاب الأذان باب لا يفترش ذراعيه في السجود، ومسلم 1/355 ح 493.
3 سورة العلق، الآية (19) .
4 رواه مسلم 1/350 ح 482.
(1/122)


فخذيه، وأطراف أصابعه عند ركبتيه، أو يضع اليد اليمنى على الركبة، واليد اليسرى يلقمها الركبة، صفتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكلتاهما صحيح، ويقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني" 1، ويطمئن في هذا الجلوس.
ثم يسجد السجدة الثانية مكبرا، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى، ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس جلسة خفيفة، وتسمى جلسة الاستراحة، وهي مستحبة، وإن تركها فلا حرج، وليس فيها ذكر ولا دعاء.
ثم ينهض قائما إلى الركعة الثانية معتمدا على ركبتيه إن تيسر ذلك، فإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى، ولا يأتي في الثانية بتكبيرة الإحرام ولا دعاء الاستفتاح ولا يتعوذ، لأن الصلاة عبادة واحدة من أولها إلى آخرها، والتعوذ في الركعة الأولى يكفي، فإن، نسي تعوذ في الثانية.
ولهذا يكره مخالفة الترتيب فيما يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين، لأن قراءة الصلاة واحدة، وجاز له التعوذ كل ركعة، ولا يأتي بنية جديدة.
فإذا كانت الصلاة ثنائية، أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد، جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبا رجله اليمنى مفترشا رجله اليسرى، واضعا يده اليمنى على فخذه اليمنى قابضا أصابعه كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد.
__________
1 رواه أبو داود 1/531 ح 850، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/160 ح 756.
(1/123)


وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن، لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة الأصابع مضمومة ممدودة على الفخذ.
ويجوز أن يلقم اليسرى ركبته، وأن يضع اليمنى على الركبة بإحدى الصورتين السابقتين في وصف الأصابع لورود السنة بذلك أيضا.
ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس، وهو: " التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله1، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"2.
ويسن أن يستعيذ بالله من أربع، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلا: السلام عليكم ورحمة الله.... السلام عليكم ورحمة الله، يقول بلسانه متدبرا ذلك بقلبه.
ويشير بسبابته في تشهده عند الدعاء، فكلما دعا حرك، إشارة إلى علو المدعو سبحانه وتعالى.
__________
1 رواه مسلم 1/302 ح 402.
2 رواه مسلم 1/305 ح 406.
(1/124)


ففي قوله: " التحيات لله ... " (لا يشير) ، "السلام عليك أيها النبي" (فيه إشارة) ، "السلام علينا ... "، "اللهم صل على محمد...." (فيه إشارة) ، "اللهم بارك على محمد ... " (فيه إشارة) ، "أعوذ بالله من عذاب جهنم" (فيه إشارة) ، "ومن عذاب القبر" (فيه إشارة) "ومن فتنة المحيا والممات" (فيه إشارة) ، "ومن فتنة المسح الدجال" (فيه إشارة) .
وقد وردت الأحاديث الصحيحة في التشهد على أكثر من وجه، لذا ينبغي أن نأتي بهذا مرة، وهذا مرة، إتباعا للسنة، وإحياء لها، وحضورا للقلب.
فإن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، قرأ التشهد الأول، وهو المذكور آنفا إلى قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"، وذكر بعض أهل العلم أنه يذكر ذلك مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ينهض قائما معتمدا على ركبتيه، رافعا يديه حذو منكبيه أو فروع أذنيه قائلا" الله أكبر، ثم يضعهما على صدره كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط، فإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض المرات، فلا بأس، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي سعيد1 رضي الله عنه، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب، وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، كما تقدم في الصلاة الثنائية، ثم يسلم عن يمينه بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله"، وعن شماله بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله".
__________
1 رواه مسلم 1/334 ح 452.
(1/125)


وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يزيد في التسليمة الأولى والثانية"وبركاته"، لحديث أخرجه أبو داود1، وقال الحافظ ابن حجر: "وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة" وبركاته"، وهي عند ابن ماجه أيضا، وهي عند أبي داود أيضا في حديث وائل بن حجر، فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث"2.
وتمتاز الركعة الثالثة في المغرب، والركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر والعشاء، بأنه يقتصر فيهما على الحمد، ويسر فيهما بالقراءة حتى في الصلاة الجهرية.
ويسن التورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية أو الرباعية، وله ثلاث صفات مشروعة:
الأولى: أن يخرج المصلي رجله اليسرى من الجانب الأيمن مفروشة، ويجلس على مقعدته على الأرض، وتكون الرجل اليمنى منصورة.
الثانية: أن يفرش القدمين جميعا ويخرجهما من الجانب الأيمن.
الثالثة: أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى وينبغي أن يفعل الإنسان هذا مرة وهذا مرة.
والمرأة كالرجل في كل ما سبق من أحكام، غير أنها تخالفه في بعضها كمسألة سترة الثياب، والقراءة، فالرجل يجهر في القراءة في الصلاة الجهرية، والسنة في حق المرأة أن تسر.
__________
1 رواه أبو داود 1/607 ح 997.
2 تلخيص الحبير: ابن حجر 1/271 ح 420.
(1/126)


وينبغي بعد السلام أن يستغفر المسلم الله ثلاثا، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
ويسبح الله ثلاثا وثلاثين، ويحمده مثل ذلك، ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله ووحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص والفلق والناس بعد كل صلاة.
ويستحب تكرار هذه السور الثلاث الثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، لورود الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.
(1/127)


حديث المسيئ صلاته
...
حديث المسيء صلاته:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها" 1.
وفي رواية لمسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأصبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" 2.
بعد أن عرضنا صفة الصلاة، بقي لنا أن نشير إلى الأركان والشروط والواجبات والسنن، وما يتعلق بهم من أحكام.
__________
1 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها..
2 رواه مسلم 1/298 ح397.
(1/128)


أركان الصلاة:
والركن ما كان جزءا من الشيء، ولا يوجد ذلك الشيء إلا به، فالسجود في الصلاة ركن لأنه جزء منها، ولا توجد الصلاة إلا به.
وأركان الصلاة لا تسقط عمدا، ولا سهوا، بل تبطل الصلاة بتركها، وهي على الصحيح أربعة عشر، بيانها كالتالي:
1-القيام مع القدرة، لقول الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} 1، ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب" 2.
2- تكبيرة الإحرام، لقوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} 3 ولحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" 4 ويتعين لفظ "لله أكبر" لقوله تعالى: {وربك فكبر} 5، وفي حديث المسيء صلاته عن الطبراني: " ... ثم يقول: الله أكبر ... "6، ولحديث أبي
__________
1 سورة البقرة، الآية [238] .
2 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب.
3 سورة الأعلى، الآية [15] .
4 رواه أبو داود 1/49 ح61، وأخرجه الترمذي 1/9 ح3 وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن.
5 سورة المدثر الآية [3] .
6 رواه الطبراني في الكبير 5/38 ح4526 وذكر ابن حجر في تلخيص الحبير 1/217 ح326 لفظ أبي داود ومسلم وقال: أصله عند باقي أصحاب السنن، ورواه الطبراني ... ولفظه موافق للفظ الرافعي.
(1/129)


حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه، ثم قال: "الله أكبر"1.
3- قراءة الفاتحة في كل ركعة، وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة على ذلك، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" 3.
والثابت عن أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل، ولم يثبت عنه خلاف ذلك، ومدار العبادات على الإتباع، وفي الحديث: " ... وصلوا كما رأيتموني أصلي ... " 4.
4- الركوع، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} 5، ولحديث المسيء صلاته حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "..ثم اركع حتى تطمئن راكعا.." 6.
__________
1 رواه ابن ماجه 1/280 ح862، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/142، 143 ح702، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/217 ح324: أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة، وأخرجه هو ابن خزيمة في صحيحيهما.
2 رواه مسلم 1/295 ح394.
3 رواه ابن حبان 5/91 ح1789، وابن خزيمة 1/248 ح490، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير: رواه الدارقطني بلفظ "لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن" وصححه ابن قطان، ورواه ابن خزيمة وابن حبان بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة.
4 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..
5 سورة الحج الآية [77] .
6 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها..
(1/130)


5-الاعتدال عن الركوع، لحديث المسيء صلاته، وفيه "..ثم ارفع حتى تعتدل قائما.."، ولوصف أبي حميد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه حتى يعود كل فقار مكانه"1، وتصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: ".. وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما.."2، وعن أبي مسعود الأنصاري البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل – يعني - صلبه في الركوع والسجود" 3.
6- السجود على الأعضاء السبعة، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "..ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا.."، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين والركبتين، وأطراف القدمين.." 4.
7- الاعتدال عن السجود، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "..ثم اعتدل حتى تطمئن جالسا..".
8-الجلوس بين السجدتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "..ثم ارفع حتى تطمئن جالسا" 5.
9-الطمأنينة في جميع الأركان، قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون
__________
1 رواه البخاري 1/194 كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع.
2 رواه مسلم 1/357 ح498.
3 رواه الترمذي 2/51 ح265 وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/84 ح217.
4 رواه البخاري 1/198 كتاب الأذان باب السجود على الأنف فغي الطين.
5 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان باب وجوب قراءة الإمام والمأموم في الصلوات كلها..
(1/131)


الذين هم في صلاتهم خاشعون} 1 وقال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هل ترون ههنا؟ والله ما يخفى علي ركوعكم ولا خشوعكم، وأني لأراكم وراء ظهري".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الركوع والسجود؛ فو الله أني لأراكم من بعدي، وربما قال: من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم" 2.
وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته إلى الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال والجلوس.
10-التشهد الأخير، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على جبريل ميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله.." 3، وهذا يدل على أنه فرض بعد أن لم يكن مفروضا.
11-الجلوس للتشهد الأخير، لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر، أنه كان يقعد القعود الأخير، يقرأ فيه التشهد، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بإتباعه فقال: "..وصلوا كما رأيتموني أصلي.." 4.
__________
1 سورة المؤمنون الآيتان [1، 2] .
2 رواه البخاري 1/181 كتاب الأذان، باب الخشوع في الصلاة.
3 رواه البخاري 1/202 كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة.
4 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..
(1/132)


12-الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} 1.
وعن أبي مسعود البدري قال: قال بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم" 2.
13-الترتيب في هذه الأركان حسب ما ورد في حديث المسيء صلاته، وقد تقدم.
14-التسليم، لما روى علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" 3.
وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: "كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده" 4، وعن علقمة بن وائل عن أبيه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" 5.
__________
1 سورة الأحزاب الآية [56] .
2 رواه مسلم 1/305 ح405.
3 رواه أبو داود 1/49 ح61، وأخرجه الترمذي 1/9 ح3 وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن.
4 رواه مسلم 1/409 ح582.
5 رواه أبو داود 1/607 ح997، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/186 ح879.
(1/133)


حكم من ترك ركنا في الصلاة
...
حكم من ترك الصلاة:
والمتروك إما أن يكون تكبيرة الإحرام وإما غيرها، فمن ترك تكبيرة الإحرام عمدا أو سهوا لم تنعقد صلاته.
ومن ترك ركنا غير تكبيرة الإحرام عمدا بطلت صلاته، وأما من تركه سهوا فتفصيله كما يلي:
1-إن وصل المصلي إلى موضع تركه من الركعة التالية، لغت الركعة التي نسي فيها الركن، وقامت التالية مقامها، ويسجد للسهو بعد السلام، ثم يسلم عقب سجوده.
2- وإن لم يصل إلى موضع المتروك سهوا، عاد إليه أتى به وبما بعده وجوبا، وسجد بعد السلام، وسلم عقب سجوده.
3- فإن تذكر بعد الصلاة فحاله لا يخلو من أمرين:
أ-لم يفصل فاصل طويل، وكان قريب الوقت من الصلاة قام دون تكبير وأتى بركعة كاملة من التشهد الأخير والسلام، ثم يسجد للسهو ويسلم.
ب-فصل فاصل زمني طويل، فإنه يعيد الصلاة كلها لبطلانها بترك ركن من أركانها.
(1/134)


شروط الصلاة:
والشرط: ما لا يوجد المشروط مع عدمه، وليس من أفعال الصلاة وأقوالها، وإنما هو إعداد يتم قبل الصلاة من حيث الوقت، ووجهة المكان، والطهارة ...
وشروط الصلاة تسعة بيانها كالتالي:
1-الإسلام، فلا تجب على الكافر، قال الله تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} 1.
ولا تصح منه حال كفره، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم ... " 2.
ولقد أوضح القرآن الكريم هذا الشرط في كثير من الآيات، قال الله تعالى: {ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} 3، وقال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} 4 وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} 5.
__________
1 سورة التوبة الآية [54] .
2 رواه مسلم 1/50 ح19.
3 سورة آل عمران الآية [85] .
4 سورة النساء الآية [103] .
5 سورة النساء الآية [43] .
(1/135)


2-العقل، لحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق"1 وغير العاقل ليس أهلا للتكليف.
3-التمييز، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع"2.
وهذه الشروط الثلاث في سائر العبادات
4-دخول الوقت، لقوله الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} 3، وقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} 4.
وفي هذه الآية إشارة إلى الأوقات الخمسة للصلاة
5-الطهارة من الحدث، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا} 5.وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" 6.
__________
1 رواه ابن ماجه 1/658 ح2041، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/347 ح1660.
2 رواه أبو داود 1/334 ح495، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/97 ح466 حسن صحيح.
3 سورة النساء الآية [103] .
4 سورة الإسراء الآية [78] .
5 سورة المائدة الآية [6] .
6 رواه مسلم 1/204 ح224.
(1/136)


6-اجتناب النجاسات، قال الله تعالى: {وثيابك فطهر} 1، وعن جابر بن سمرة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب يأتي أهله؟ قال: "نعم. إلا أن يرى شيئا فيغسله" 2.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" 3.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" 4.
7-ستر العورة: لقول الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} 5 وقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر: " ... فإن كان واسعا فالتحف به، وإن كان ضيقا أتزر به" 6، وعن جرهد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غط فخذك فإنها من العورة" 7، وعن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله
__________
1 سورة المدثر الآية [4] .
2 رواه ابن ماجه 1/180 ح542، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/89 ح440.
3 رواه الدارقطني 1/127 كتاب الطهارة، باب نجاسة البول، وقال العظيم أبادي: المحفوظ مرسل، وصححه الألباني في الإرواء 1/310 ح280.
4 رواه البخاري 1/61 كتاب الوضوء، باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي حتى فزع من بوله في المسجد.
5 سورة الأعراف الآية [31] .
6 رواه البخاري 1/95 كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقا.
7 رواه الترمذي 5/111 ح2798 وقال: هذا حديث حسن.
(1/137)


صلاة حائض إلا بخمار" 1.
8-استقبال القبلة، لقول الله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} 2، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأصبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" 3.
9-النية، لقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} 4 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" 5.
فإذا تخلف شرط من هذه الشروط بطلت الصلاة.
__________
1 رواه أ [وداود 1/421 ح641، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/126 ح596.
2 سورة البقرة الآية [149] .
3 رواه مسلم 1/298 ح397.
4 سورة البينة الآية [5] .
5 رواه البخاري 1/2 كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1/138)


واجبات الصلاة:
والواجب: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام، وتبطل الصلاة بتركه عمدا، ويجبره حال السهو سجود السهو، والواجبات ثمان بيانها كالتالي:
1-التكبيرات عدا تكبيرة الإحرام فهي ركن كما سبق، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس، ثم يقول أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم "1.
2-التسميع، أي يقول: "سمع الله لمن حمده"، للإمام والمنفرد إذا رفعا من الركوع، لحديث أبي هريرة الذي ذكرنا أنفا: "ثم يقول سمع الله لمن حمد، حين يرفع من الركوع"
3-التحميد، أي قول: "ربنا ولك الحمد"، للإمام والمأموم والمنفرد، لحديث أبي هريرة المذكور آنفا: "ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد"
4-قول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، لما روي عن عقبة بن
__________
1 رواه مسلم 1/293، 294 ح392.
(1/139)


عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} 1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" 2.
5-قول: " سبحان ربي الأعلى"في السجود، لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: فلما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى} 3 قال: "اجعلوها في سجودكم" 4.
6-سؤال الله المغفرة، بقول: "رب اغفر لي في الجلسة بين السجدتين"، لما روي عن حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" 5.
7-التشهد الأول، لما روي عن عبد الله بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قام في كل صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس، قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس"6.
8-الجلوس للتشهد الأول، لحديث عبد الله بن بحينة المذكور آنفا، وقوله: "وعليه جلوس..".
__________
1 سورة الواقعة الآية [96] .
2 رواه أبو داود 1/542 ح869، وأحمد 4/155 من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص84 ح184، وقال الساعاتي في الفتح الرباني 3/261، 262 ح634 سنده جيد.
3 سورة الأعلى الآية [1] .
4 الحديث السابق نفسه.
5 رواه ابن ماجه 1/89 ح897، والنسائي 3/231 كتاب التطبيق، باب الدعاء بين السجدتين، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/247 ح1097.
6 رواه البخاري 1/202 كتاب الأذان، باب التشهد في الأولى، ومسلم 1/399 ح570 واللفظ له.
(1/140)


فمن ترك واجبا في صلاته من هذه الواجبات متعمدا بطلت صلاته، ومن تركه ناسيا فتفصيله كما يلي:
أ-فإن ذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه.
ب- وإن ذكره بعد مفارقة محله، قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
ج-وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط، فلا يرجع إليه، ويستمر في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام.
(1/141)


سنن الصلاة
وهي الأفعال التي لا تبطل الصلاة بتركها عمدا أو سهوا، واستحباب سجود السهو لها محل نظر عند أهل العلم.
وسنن الصلاة هي ما عدا الأركان والواجبات والشروط، وقد أوصلها بعضهم إلى اثنتين وثلاثين سنة، وبيانها كالتالي:
1- رفع اليدين عند الإحرام.
2- رفع اليدين عند الركوع.
3- رفع اليدين عند الرفع من الركوع.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذوا منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع.."1.
4- وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر، لحديث وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره"2.
5- النظر إلى موضع سجوده، لما روى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في
__________
1 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع.
2 رواه ابن خزيمة 1/243 ح479 وأبو داود 1/481 ح759 من طريق طاووس وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/224 ح331 وأصله في صحيح مسلم.
(1/142)


صلاتهم"، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: " لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم" 1.
6- الاستفتاح، وقد وردت أدعية كثيرة كان يستفتح بها النبي صلى الله عليه وسلم إذ كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" 2.
7- التعوذ بقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقول الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} 3، أو بقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك" ثم يقول: "لا إله إلا الله" ثلاثا، ثم يقول: "الله أكبر كبيرا" ثلاثا، "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه " ثم يقرأ4.
__________
1 رواه البخاري 1/183 كتاب الأذان باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
2 رواه البخاري 1/181 كتاب الأذان باب ما يقول بعد التكبير، ومسلم 1/419 ح598 واللفظ له.
3 سورة النحل الآية [98] .
4 رواه أبو داود 1/490 ح775 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/148 ح775.
(1/143)


8- قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم"، لحديث نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن.."وفي آخره قال: " ... والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر وهو أصح حديث ورد في ذلك1، (أي الجهر بالبسملة)
9- قول: "آمين" بعد قراءة الفاتحة، يجهر بها في الجهرية ويسر بها في السرية، لما روي عن وائل بن حجر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {ولا الضالين} 2 " قال: "آمين"3 ورفع بها صوته"4.
10- قراءة السورة بعد الفاتحة، لما رواه أبو قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر، في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الآخرتين بأم الكتاب، ويسمعنا الآية، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح"5.
11- الجهر في الصلاة الجهرية، لما روي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور"6، ولما روي عن البراء رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {والتين
__________
1 رواه ابن خزيمة 1/251 ح499، والنسائي 2/134 كتاب الإفتتاح، باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وضعف إسناده الألباني في ضعيف سنن النسائي ص28 ح36.
2 فتح الباري ابن حجر 2/267.
3 سورة الفاتحة الآية [7] .
4 آمين: دعاء بمعنى "اللهم استجب".
5 رواه أبو داود 1/574 ح932، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/176 ح824، وقال ابن حجر في التلخيص 1/236 ح353: سنده صحيح.
6 رواه البخاري 1/189 كتاب الأذان، باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب.
(1/144)


والزيتون} في العشاء، ما سمعت أحدا أحسن صوتا منه أو قراءة"1.
ولما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما " ... فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء.."2.
12- الإسرار في الصلاة السرية، عن أبي معمر قال: سألنا خبابا: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر، قال: نعم. فقلنا: بأي شيء كنتم تعرفون، قال: باضطراب لحيته3.
13- وضع اليدين مفرجتي الأصابع على الركبتين في الركوع، عن عقبة بن عمرو قال: ألا أصلي لكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ فقلنا: بلى. فقام، فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه من وراء ركبتيه ... ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وهكذا كان يصلي بنا4.
14-مد الظهر والانحناء في الركوع والسجود5. قال أبو حميد في أصحابه: "ركع النبي صلى الله عليه وسلم ثم هصر ظهره"6، وعن علي رضي الله
__________
1 رواه البخاري 1/176 كتاب الأذان باب القراءة في العشاء.
2 رواه البخاري 1/187 كتاب الأذان باب الجهر بقراءة صلاة الفجر.
3 رواه البخاري 1/185 كتاب الأذان باب القراءة في الظهر.
4 رواه النسائي 2/186 كتاب التطبيق، باب مواضع أصابع اليدين في الركوع، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/223 ح992.
5 عدها بعضهم سنتين.
6 رواه البخاري 1/192 كتاب الأذان باب استواء الظهر في الركوع.
(1/145)


عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يهراق"1.
وعن أبي حميد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه"2.
15- ما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، والذي عليه الجمهور أن أقل ما يجزئ في الركوع والسجود تسبيحة واحدة، لما روي عن أبن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "..فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" 3.
16- ما زاد على المرة في سؤال الله المغفرة في السجدتين، عن حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" 4، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وأهدني
__________
1 رواه أحمد 1/123 مسند علي رضي الله عنه، وقال ابن حجر في التلخيص 1/241 ح361 رواه أبو داود في مراسيله من حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى، ووصله أحمد في سنده عنه عن علي وذكر الدارقطني في العلل عنه عن البراء، ورجح أبو حاتم المرسل، ورواه الطبراني في الكبير من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو، ومن حديث أبي برزة الأسلمي، وإسناد كل منهما حسن.
2 رواه ابن خزيمة 1/322 ح637 والترمذي واللفظ له 2/59 ح270 وقال حسن صحيح.
3 رواه مسلم 1/348 ح479.
4 رواه ابن ماجه 1/289 ح897 والنسائي 3/321 كتاب التطبيق، باب الدعاء بين السجدتين، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/247 ح1097.
(1/146)


وارزقني" 1.
17- قول: "ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء.."وذلك بعد قول: "ربنا لك الحمد"، لما روى عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع من الركوع قال: "ربنا لك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" 2.
18- البداية بوضع الركبتين قبل اليدين في السجود، ورفع اليدين قبل الركعتين في القيام، لما روي عن وائل بن حجر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه"3، ولم يرو في فعله ما يخالف ذلك.
19- التفريق بين ركبتيه في السجود. قال ابن حجر: نقل في بعض الأخبار: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرق في السجود بين ركبتيه، أبو داود في حديث أبي حميد، وإذا سجد فرج بين فخذيه، وفي البيهقي من حديث البراء: كان إذا سجد وجه أصابعه قبل القبلة فتفاج، يعني وسع بين رجليه4.
20-وضع اليدين وضع اليدين مضمومتي الأصابع حذو المنكبين أو الأذنين، عن ابن
__________
1 رواه الترمذي 2/86 ح284 وأبو داود 1/530، 531 ح850 وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/160 ح756.
2 رواه مسلم 1/347 ح477.
3 رواه الترمذي 2/56، 57 ح268 وقال: حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
4 تلخيص الحبير ابن حجر 1/255 ح381.
(1/147)


عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه.."1، وعن مالك بن الحويرث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي أذنيه.."2.
21-توجيه أصابع القدمين حال السجود للقبلة، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ... فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة.."3.
12-الافتراش في التشهد الأول والجلوس بين السجدتين، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال" ... فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى.."4، ولقوله: "..ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم قعد حتى رجع كل عظم موضعه، ثم هوى ساجدا".
23-التورك في التشهد الثاني، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ... وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته:.
24-وضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى، واليد اليسرى على الفخذ5 اليسرى، لما روي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى،
__________
1 رواه مسلم 1/292 ح390.
2 رواه مسلم 1/293 ح391.
3 رواه البخاري 1/201 كتاب الأذان باب سنة الجلوس في التشهد.
4 رواه أبو داود 1/589، 590 ح964 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/181 ح851.
5 عدها بعضهم سنتين.
(1/148)


ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى، ويلقم كفه اليسرى ركبته"1.
25-الإشارة بالسبابة عند الذكر، لحديث عبد الله بن الزبير السابق، ولما روي عن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقه، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها"2.
26-السجود على أنفه وتمكين الأعضاء السبعة من الأرض، لما روي عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه"3.
27-الالتفات عن اليمين والشمال في التسليمتين، لما روي عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده"4.
28-جلسة الاستراحة، لما روي عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر السجدتين: "..ثم قال: الله أكبر، ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه، ثم
__________
1 رواه مسلم 1/408 ح579.
2 رواه ابن خزيمة 1/354 ح714 وقال ابن حجر في التلخيص 1/262 ح401 ابن خزيمة والبيهقي بهذا اللفظ، وقال البيهقي: يحتمل أن يكون مراده بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها حتى لا يعارض.
3 رواه ابن خزيمة 1/322 ح637 والترمذي واللفظ له 2/59 ح270 وقال حسن صحيح.
4 رواه مسلم 1/409 ح582.
(1/149)


نهض صنع الركبة الثانية مثل ذلك.."1.
29-نية الخروج من الصلاة في سلامه2.
__________
1 رواه الترمذي 2/105، 106 ح304 وقال: حسن صحيح.
2 انظر الكافي: ابن قدامة 1/144.
(1/150)


ما يحرم في الصلاة:
والصلاة عبادة ويجب فيها إخلاص النية لله تعالى، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم "وصلوا كما رأيتموني أصلي "1 فمن لم يتبع الرسول في عبادته، فعبادته مردوده لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"2.
لذا تبطل الصلاة ويفوت مقصودها، ويجب إعادتها بقول أو فعل ما يحرم فيها من الأمور الآتية:
1- أن يسلم في الصلاة قبل إتمامها عمدا، لأنه تكلم فيها أو سهوا وطال الفصل، لتعذر بناء الباقي عليها، ولا إثم عليه في السهو.
2- الكلام عمدا في غير مصلحة الصلاة، أثناء الصلاة يبطلها، لما روي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وقوموا لله قانتين} 3، فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام4.
ولما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا يارسول الله، كنا نسلم عليك في
__________
1 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..
2 رواه مسلم 2/1344 ح1718.
3 سورة البقرة، الآية (238) .
4 رواه مسلم 1/383 ح539.
(1/151)


الصلاة فترد علينا؟ فقال: "إن في الصلاة شغلا" 1 ولما روي من حديث معاوية بن الحكم السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن" 2.
ولا تبطل الصلاة بكلام في غير مصلحتها جهلا من غير تعمد الخطأ، لقول الله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} 3. ولما روي عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبابي هو وأمي! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرني ولا ضربني وشتمني، قال: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" 4.
فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم معاوية بالإعادة رغم تعمده الكلام لأنه كان جاهلا
ولا تبطل الصلاة بما يعرض للمصلي من عطاس وسعال وجشاء، لأنه مغلوب عليه، وتبطل بتشميت العاطس، لحديث معاوية، وكذا تبطل برد السلام أو بالمبادرة به عمدا من غير جهل
__________
1 رواه مسلم 1/382ح538.
2 رواه مسلم 1/381،382ح537.
3 سورة الأحزاب، الآية (5) .
4 رواه مسلم 1/381، 382ح 537.
(1/152)


قياسا على تشميت العاطس، وتبطل بنفخ أو تنحنح عمدا من غير حاجة، لأن العبث ينافي الصلاة، ولا تبطل للحاجة. قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: " كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان، مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا أتيته وهو يصلي يتنحنح لي"1.
1- القهقة، بأن يضحك المصلي بصوت يسمعه هو أو غيره، تبطل به الصلاة، قل أو كثر، لمنافاته الصلاة تماما، لأنه أقرب للهزل واللعب، ما لم يغلبه الضحك فلم يملك معه نفسه، فالراجح أنه لا تبطل به، لعدم تعمد ذلك.
أما التبسم بدون قهقهة فلا تبطل به الصلاة لعدم ظهور صوت، وقد روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القهقهة تبطل الصلاة ولا تنقض الوضوء" 2.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة، وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها3.
4، 5- الأكل والشرب الكثير عمدا أو سهوا، لخروجه عن هيئة الصلاة في الفرض والنافلة، ولا تبطل بالأكل اليسير سهوا في الفرض والنافلة، ولا تبطل بيسير شرب عمدا في النافلة، لما ثبت في الأثر أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان يطيل النفل وربما عطش
__________
1 رواه ابن ماجه 2/1222ح 3708، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 299ح 809.
2 رواه الدارقطني 1/173ح58، وقال العظيم آبادي: خالفه إسحاق بن بهلول عن أبيه في لفظه.
3 المغني: ابن قدامه 2/51.
(1/153)


فشرب يسيرا. قال ابن قدامه: ويروي عن ابن الزبير وسعيد بن جبير، أنهما شربا في التطوع. وعن طاوس أنه لا بأس به1.
والنفل أخف من الفرض، بدليل سقوط بعض الواجبات في النفل وثبوتها في الفرض، كالقيام واستقبال القبلة في صلاة النافلة في السفر، فلما كانت النافلة مظنة الطول الكثير، سمح بالشرب اليسير، وتعرف القلة والكثرة بالعرف.
ويرى كثير من أهل العلم، أن يسير الشرب عمدا في النفل كالفرض لأن الأصل تساوي الفرض والنفل، وعليه يحرم الشرب قليله وكثيره في الفرض والنفل وهذا أحوط.
العمل الكثير من غير جنس الصلاة متواليا لغير ضرورة، وتعرف الكثرة بالعرف، وهو ما يخيل لمن ينظر إليه أنه ليس في الصلاة، فإن قال الناس: هذا عمل ينافي الصلاة، والذي يشاهد حركات هذا الرجل يقول: أنه لا يصلي، فهذا كثير مبطل للصلاة، بخلاف اليسير، كحمل طفل، وفتح باب قريب يمينا أو شمالا أو أمام المصلي أثناء صلاته واستقباله القبلة، أو دفع حكة، فهذا كله يسير لا يبطل الصلاة شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها2.
__________
1 المغني: ابن قدامة2/61،62.
2 رواه البخاري 1/131كتاب الصلاة، باب إذا حمل جابية صغيرة على عنقه في الصلاة.
(1/154)


وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "جئت ورسول الله يصلي في البيت والباب مغلق، فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مكانه"1.
ووصفت الباب في القبلة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب"2.
فلو كان العمل الكثير من جنس الصلاة عمدا بطلت الصلاة، وإن لم يتعمد سجد للسهو، وإن كان من غير جنس الصلاة بضرورة، فلا تبطل الصلاة ولو كثر لقول الله تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} 3، والذين يمشون على أرجلهم لا شك عملهم كثير، وإن كان العمل الكثير من غير جنس الصلاة غير متوال، كأن يتحرك في الركعة الأولى حركة ليست كثيرة، وكذلك في كل ركعة، وعند جمع الحركات تكون كثيرة، لاتبطل لتفرق الفعل.
وتبطل الصلاة للعمل الكثير من غير جنسها متواليا لغير ضرورة عمدا، ولا تبطل سهوا، ما لم يغير الصلاة عن هيئتها ويخرجها عن كونها صلاة، فالسهو كالعمد حينئذ تبطل به الصلاة، فلو سها بعمل كثير لا ينافي الصلاة منافاة بينة، فلا تبطل صلاته لأن فعل المحظور على وجه السهو لا يلحق فيه إثم ولا إفساد، ويعذر صاحبه بالجهل والنسيان.
__________
1 رواه الترمذي 1/497 ح601 وقال: حديث حسن غريب.
2 رواه الترمذي 2/233، 234 ح390 وقال: حديث حسن صحيح.
3 سورة البقرة، الآية (239) .
(1/155)


7- وإن سبح به ثقتان أو نبهه امرأتان بالتصفيق، لزيادة فعل أو نقص فعل من أفعال الصلاة، فلم يرجع وأصر ولم يجزم بصواب نفسه، بطلت صلاته لتركه الواجب عمدا، وليس للمأمومين اتباعه لبطلان صلاته، فإن اتبعوه بطلت صلاتهم ما لم يكونوا جاهلين.
8- زيادة فعل من جنس الصلاة عمدا يبطلها، قياما كان أو قعودا أو ركوعا أو سجودا، لأن هذه الأفعال تغير هيئة الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد"1، كأن يركع مرتين في الركعة الواحدة عمدا في غير صلاة الكسوف، ويسجد ثلاث مرات في الركعة الواحدة عمدا، أو يقعد محل القيام عمدا، أو يقوم محل القعود عمدا.
ولا تبطل بما لايغير هيئة الصلاة، كما لو رفع المصلي يديه إلى حذو منكبيه في غير موضع الرفع.
9- سجود الشكر في الصلاة يبطلها، لأن سببه ليس منها، ومثله من سجد في الصلاة لسهو صلاة أخرى.
10- ترك ركن من أركان الصلاة أو شرط من شروطها عمدا من غير عذر شرعي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل" 2، فمن ترك الركوع أو السجود عمدا بلا عذر بطلت صلاته، وكذا من انصرف عن التوجه إلى القبلة، أو أحدث أثناء الصلاة فصلاته باطلة.
__________
1 رواه مسلم 2/1344 ح1718.
2 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها..
(1/156)


ما يكره في الصلاة:
والصلاة قرب للعبد من الله؛ فيها يناجي ربه، لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام في صلاته يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة.." 1.
وفي لقاء الله خشوع ورهبة، وشوق ورغبة، لذا ينبغي التأدب في هذا الموقف، والبعد عما يتنافى مع جلال اللقاء، ولا تبطل الصلاة بفعل ما يكره فيها، ولكن كمال الأدب يقضي البعد عن ما يلي:
1- الالتفات يمينا وشمالا لغير حاجة، لأن الإنسان إذا قام يصلي، فالله تعالى قبل وجهه، وفي الالتفات سوء أدب بالإعراض عن الله سبحانه وتعالى، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد" 2.
ولا يكره للحاجة، لما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يلحظ في الصلاة يمينا وشمالا، ويلوي عنقه خلف ظهره"3
__________
1 رواه البخاري 1/106 كتاب الصلاة، باب حك البزاق باليد من المسجد.
2 رواه البخاري 1/183 كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة.
3 رواه الترمذي 2/483 ح587 وقال: حديث غريب، والحاكم 1/237 كتاب الصلاة، وقال: وهذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(1/157)


ولأن سهل بن الحنظلية قال: " ... فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وآله يصلي ويلتفت إلى الشعب.."1 وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث أنس بن أبي مرثد الغنوي طليعة.
والالتفات نوعان: حسي بالبدن، ومعنوي قلبي، ويستطيع المسلم أن يسيطر على بدنه أثناء الصلاة، ولمعالجة المعنوي كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتفل عن يسارك ثلاث مرات واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
1- رفع البصر إلى السماء سواء أكان حال القراءة أم حال الركوع أم حال الرفع من الركوع أم في أي حال من الصلاة، لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهين عن ذلك أو ليخطفن أبصارهم" 2، ولا يخفى ما في رفع البصر من سوء الأدب مع الله، وينبغي أن يكون المصلي خاضعا.
2- تغميض العينين لغير ضرورة، لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه" 3، وهو يشبه فعل المجوس عند عبادتهم النار، حيث يغمضون أعينهم، وقيل: إنه فعل اليهود في صلاتهم، والإسلام نسخ كل الديانات السابقة
__________
1 رواه الحاكم 1/237 كتاب الصلاة، الالتفات في الصلاة، شاهد الحديث ابن عباس السابق وقال: وله شاهد بإسناد صحيح. ووافقه الذهبي.
2 رواه البخاري 1/182،183 كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
3 رواه الطبراني في ا~لأوسط 3/116 ح2239، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/83، باب تغميض البصر في السماء: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه ليث ابن أبي سليم وهو مدلس وقد عنعنه.
(1/158)


وشعائرها، ونحن منهون عن التشبه بالكفار من اليهود وغيرهم، ولا سيما في شعائرهم الدينية، فإذا كان أمام المصلي ما يشغله ويخل بخشوعه، كزخرفة أو تزويق في القبلة، فيستحب تغميضها بقدر الحاجة فقط، ولا يكون ذلك ديدنا لكراهته.
1- النظر إلى ما يلهي، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة1 لها أعلام، فقال: "شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية" 23
2- الصلاة وبين يدي المصلي ما يلهي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: " ... أميطي عنا قرامك4 هذا، فإنه لا تزال تصاوير تعرض في صلاتي" 5، لذا ينبغي أن يزيل المصلي كل ما يشوش عليه في محل صلاته.
3- الإقعاء وافتراش الذراعين حال السجود، لما روي عن عائشة رضي الله عنها في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: " ... وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع.."6، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" 7.
__________
1 الخميصة: كساء من خزأ وصوف معلم.
2 أنبجانية: كساء غليظ له وبر ولا علم به.
3 رواه البخاري 1/183 كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة.
4 القرم: ستر رقيق ذو ألوان.
5 رواه البخاري 1/99 كتاب الصلاة، باب إذا صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك.
6 رواه مسلم 1/357،358 ح498.
7 رواه البخاري 1/199،200 كتاب الأذان، باب لا يفترش ذراعيه في السجود.
(1/159)


وللإقعاء صور منها: أن يفترش قدميه بأن يجعل ظهورهما نحو الأرض ثم يجلس على عقبه، أي بينهما وهو يشبه إقعاء الكلب، ولا يستقر الإنسان في حال جلوسه على هذا الوجه، ومنها: أن ينصب فخذيه وساقيه ويجلس على عقبيه لا سيما إن اعتمد بيديه على الأرض، وهي أقرب الصور ومطابقة لإقعاء الكلب، ومنها: أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه.
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقع بين السجدتين" 1.
ويكره الإفتراش الذراعين، حتى لا يتشبه الإنسان بالحيوان، ويستحب مجافاتهما ورفعهما عن الأرض، ما لم يشق عليه ذلك لطول السجود، فإن شق عليه ذلك اعتمد بمرفقيه على ركبتيه.
1- عبث المصلي بجوارحه في ثوبه أو بدنه أو مكانه لغير حاجة، لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه، فلا يمسح بالحصى" 2.
وبالعبث يتحرك البدن، فينشغل القلب عن الرحمة الموجهة له، فيفوته حظه منها، وهو مناف للجدية المطلوبة حال الصلاة، فضلا عن إدخاله على الصلاة ما ليس منها من الحركات.
__________
1 رواه ابن ماجه 1/289 ح894، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع 6/74 ح6271.
2 رواه ابن ماجه 1/327،328 ح1027، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص76 ح213.
(1/160)


8- والتخصر في الصلاة، بوضع اليدين على الوسط، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى أن يصلي الرجل مختصرا"1.
والخاصرة هي المستدق من البطن الذي فوق الورك، وعلة النهي ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنه من فعل اليهود.
9- تحريك الهواء أثناء الصلاة بمروحة يمسكها المصلي في يده، ليجلب لنفسه الهواء، لما في ذلك من كثرة الحركة، وانشغال عن الصلاة، فإن دعت الحاجة إليها فلا كراهة، لأن المكروه يباح للحاجة.
10- تشبيك الأصابع وكذلك فرقعتها في الصلاة، لما روي عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك بين أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه"2، ولما روي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفقع أصابعك وأنت في الصلاة" 3. وتشبيك الأصابع، إدخال بعضها في بعض، والقعقعة تكون بغمز الأصابع حتى تفرقع، ويكون لها صوت، وهو من العبث والتشويش على من حوله من الجماعة، ومحل الكراهة في الصلاة، بل يكره تشبيك الأصابع عند الخروج إلى الصلاة، وعند انتظارها في المسجد، فيكون ذلك في الصلاة من باب أولى، لما روي عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا على المسجد فلا يشبكن بين
__________
1 رواه البخاري 2/64 كتاب العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة.
2 رواه ابن ماجه 1/310 ح967، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص72،73 ح202.
3 رواه ابن ماجه 1/310 ح965، وقال الألباني في الإرواء 2/99ح378: إسناده ضعيف جدا.
(1/161)


أصابعه فإنه في صلاة" 1
9- الصلاة بحضرة طعام، لما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء" 2، وعنها قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان" 3. ويشترط لهذا النهي ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون الطعام حاضرا.
الثاني: أن تكون نفس المصلي تتوق إليه،
الثالث: أن يكون قادرا على تناوله حسا وشرعا.
فإن لم يحضر الطعام وهو جائع لا يؤخر الصلاة، وإن حضر الطعام ولكنه شبعان لا يهتم به، فليصل ولا كراهة، وإن حضر الطعام ونفسه تتوق إليه لكنه ممنوع منه شرعا كالصائم يحضر له طعام الفطور عند صلاة العصر، فإنه يصلي بلا كراهة؛ إذ لا فائدة في انتظار.
ومثله من قدم له طعام حار لا يستطيع تناوله، فإنه يصلي بلا كراهة، إذ لا فائدة في انتظار، وكذلك لو أحضر إليه طعام للغير، ونفسه تتوق إليه، فإنه يصلي بلا كراهة، لأنه ممنوع منه شرعا، فإن أحضر الطعام له وهو ملكه، ومنعه منه ظالم، فإنه
__________
1 رواه الترمذي 2/228 ح386، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/121 ح316.
2 رواه البخاري 1/163، 164 كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة.
3 رواه مسلم 1/393 ح560.
(1/162)


يصلي بلا كراهة؛ حيث لا فائدة من عدم الصلاة لأنه ممنوع حسا.
9- مدافعة الأخبثين في الصلاة، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان" 1.
وفي ذلك حكمة بليغة، لما يتعلق بدفع ضرر بدني، ودفع ضرر يرتبط بالصلاة، فحبس البول أو الغائط أو الريح، يؤثر صحيا على أجهزة الجسم الخاصة بها، ولا يمكن للإنسان أن يحضر قلبه ويطمئن، لانشغاله بمدافعة البول أو حبس الغائط أو الريح.
لذا ينبغي على الإنسان أ، يتأهب للصلاة بما يليق مع جلال الوقوف بين يدي الله عز وجل، حتى ولو لم يكن لديه ماء، وسيضطر للتيمم، لأن الصلاة بالتيمم لا تكره بالإجماع، في حين تكره الصلاة مع مدافعة الأخبثين، ونهي عنها.
وينبغي أن يقضي حاجته ويتوضأ ولو فاتته الجماعة، لأن هذا عذر، بل إذا طرأ عليه في أثناء الصلاة فله أن يفارق الإمام.
فإن خشي بقضاء حاجته ووضوءه خروج الوقت، فالصلاة إما أن تكون ظهرا أو مغربا مما تجمع، فليقض حاجته، وينو الجمع لجوازه والحال هذه، وإما أن تكون عصرا وعشاءا أو فجرا، فلأهل العلم قولان:
الأول: أن يصلي ولو مع مدافعة الأخبثين حفاظا على الوقت.
والثاني: يقضي حاجته ويصلي ولو خرج الوقت، وهذا القول أقرب، لما فيه اليسر، ودفع الضرر وحضور القلب في الصلاة.
__________
1 رواه مسلم 1/393 ح560.
(1/163)


13- الصلاة عند مغلبة النوم، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم فاليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فليسب نفسه" 1.
وعن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث، منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام القرآن على لسانه فلم يدري ما يقول فليضطجع" 2.
14- تخصيص مكان من المسجد للصلاة فيه لغير الإمام، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن نقرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن يوطن الرجل مقامه في الصلاة كما يوطن البعير"3.
15- تكرار الفاتحة مرتين أو أكثر في الصلاة، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان من الخير لفعله، لذلك يعد التكرار من البدع، ما لم يكن لاستدراك أمر مشروع فاته، فلا حرج، كمن نسي فقرأها سرا في موضع الجهر، فلا بأس بإعادتها لما فات من مشروعية الجهر، وكذا من قرأها من غير حضور قلبه، لأنه تكرار لمقصود شرعا.
16- تغطية الفم والسدل في الصلاة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن السدل4 في الصلاة وأن يغطي
__________
1 رواه مسلم 1/543 ح786.
2 رواه مسلم 1/543 ح787.
3 رواه أحمد 5/446، 447 حديث أبي سلمة الأنصاري، وقال عنه الحاكم في المستدرك 1/229: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.
4 قال الخطابي في معالم السنن 1/326 ح614: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.
(1/164)


الرجل فاه"1
17- كف الشعر أو الثوب وتشمير الكمين عن الذراعين في الصلاة، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة، لا أكف شعرا ولا ثوبا" 2.
18- الرجل يصلي معقوصا أو مكتوفا، لما روي أن عبد الله ابن عباس رأى عبد الله ابن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله، فلما انصرف، أقبل إلى ابن عباس، فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا، مثل الذي يصلي وهو مكتوف" 3.
19- الاعتماد على اليد في الجلوس، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده.."4.
20- كثرة مسح الجبهة، لما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته الفراغ من صلاته" 5.
21- كثرة التميل، لقول عطاء: إني لأحب أن يقل فيه التحريك، وأن
__________
1 رواه أبو داود 1/423 ح643، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/126 ح597.
2 رواه البخاري 1/199 كتاب الأذان، باب لا يكف ثوبه في الصلاة.
3 رواه مسلم 1/355 ح492.
4 رواه أبو داود 1/604،605 ح992، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/186 ح875.
5 رواه ابن ماجه 1/309، 310 ح964، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/265 ح873 وقال: "الشطر الأول من الحديث أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا". والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود.
(1/165)


يعتدل قائما على قدميه، إلا أن يكون إنسانا كبيرا لا يستطيع ذلك. فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان، فلا بد من توكؤ على هذا مرة، وعلى هذا مرة، وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه، ولا يمس إحداهما بأخرى، ولكن بين ذلك.
17- الصلاة في المزبلة، والمجزرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل والمقبرة، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله نهى أن يصلي في سبعة مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله"1.
18- التثاؤب في الصلاة، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاوب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل" 2، ويندب وضع اليد على الفم لما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاوب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل" 3.
وأما ما اعتاده الناس من التعوذ من الشيطان عند التثاؤب فلا أصل له.
19- الصلاة خلف صف فيه فرجة، لما روي عن أبي بكرة رضي الله عنه، أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصا ولا تعد" 4.
__________
1 رواه الترمذي 2/177، 178، 346، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص36 ح53.
2 رواه مسلم 3/2293 ح2995 كتاب الزهد برقم 57.
3 رواه مسلم 3/2293 ح2995 كتاب الزهد برقم 59.
4 رواه البخاري 1/190 كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف.
(1/166)


17- عدم مراعات الترتيب في سور القرآن وآياته في أثناء القراءة في الصلاة، ويسمى التنكيس، لآن الصحابة رضوان الله عليهم وضعوا المصحف الإمام الذي يكادون يجمعون عليه في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وضعوه على هذا الترتيب، فلا ينبغي الخروج على إجماعهم، أو عن ما يكون كالإجماع منهم، لأنهم سلفنا وقدوتنا، والصلاة عبادة واحدة من أولها إلى آخرها، لذا كره مخالفة الترتيب.
18- اختصاص جبهته فقط بما يسجد عليه، لأنه يشبه فعل الرافضة، حيث يعتبرون هذا تدينا، يصلون على قطعة من المدر كالفخار، يصنعونها مما يسمونه النجف الأشرف.
19- الإشارة بالعين، أو بتحريك الحاجب أو اليد، أو نحو ذلك من غير حاجة، فإن كانت لحاجة كرد السلام فلا كراهة.
(1/167)


ما يباح في الصلاة:
1- يباح للمصلي قراءة سورتين فأكثر مع الفاتحة، لحديث حذيفة قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها.."1.
2- ويباح للمصلي عد الآيات التي يقرأها، كمن لا يعرف الفاتحة، وأراد أن يقرأ بعددها من القرآن، أن عد التسبيح، أو عد الركعات خاصة لكثير النسيان، لأن هذه حاجة. ولا يعد باللفظ حتى لا تبطل الصلاة بالكلام، بل يعدها بأصابعه أو بقلبه، والصلاة لا تبطل بعمل القلب، ولا بعمل الجوارح إلا إذا كثر وتوالى لغير ضرورة.
3- ويباح للمأموم أن يفتح على الإمام فيما يفوت الكمال به كتنبيه الإمام لنسيانه قراءة سورة مع الفاتحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني.." 2، فأمر بتذكيره، وقد يكون الفتح على الإمام واجبا فيما يبطل الصلاة تعمده، كزيادة ركعة، أو لحن في الفاتحة يحيل المعنى.
4- ويباح في الصلاة لبس ثوب لحاجة، كأن يشعر المصلي ببرودة بعد شروعه في الصلاة، والثوب حوله معلق في الجدار، فله أن يأخذه ويلبسه، ويشرع ذلك إذا كان لبس الثوب يؤدي إلى اطمئنان في
__________
1 رواه مسلم 1/536، 537 ح772.
2 رواه البخاري 1/104، 105 كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان.
(1/168)


صلاته والراحة فيها.
وقد يكون لبس الثوب واجبا، كمن صلى عريانا لعدم وجود ثوب، وبعد شروعه في الصلاة جيء إليه بثوب، فلبسه للثوب واجب، فعندما أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم أن في نعليه أذى، خلعهما واستمر في صلاته.
1- ويباح في الصلاة لف العمامة، وكف أحد طرفي الغترة إلى الخلف، أو حول الرقبة وسدل الآخر، لأنه من اللبس المعتاد، لحديث وائل بن حجر: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر (وصف همام حيال أذنيه) ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما.."1.
2- ويباح في الصلاة قتل حية وعقرب، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب"2.
3- ويباح في الصلاة قراءة أواخر السور وأوساطها وأوائلها، لعموم قول الله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر واقرأ بما تيسر معك من القرآن.." 3، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في النفل من أواسط السور، والأفضل والأكمل أن يقرأ الإنسان سورة كاملة في كل ركعة
__________
1 رواه مسلم 1/301 ح401.
2 رواه الترمذي 2/ 233، 234 ح390، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/12 ح319.
3 رواه البخاري 7/226 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان.
(1/169)


لأن هذا هو الأصل.
1- ويباح في الصلاة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، لأمر يتعلق بالصلاة، كتنبيه الإمام إذا أخطأ، أو لأمر يتعلق بغير الصلاة كالإذن للداخل، ونحو ذلك ويقول الرجل: "سبحان الله"، وهو ذكر مشروع لسبب، فيزول بزوال السبب، فإن لم يتنبه كرر حتى ينتبه، وتصفق المرأة، ونلحظ التفريق في الحكم، لأنه لا ينبغي للمرأة أن تظهر صوتها عند الرجال، لا سيما وهم في الصلاة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" 1.
ويجوز التنبيه برفع الصوت بما يقول الإنسان في الصلاة ويجوز أن ينبه بالنحنحة وأفضل شيء التسبيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به.
2- ويباح في الصلاة إن بدر الإنسان البصاق أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه ما لم يكن في المسجد، فإن كان في مسجد بصق في ثوبه، وحك بعضه ببعض، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس، فقال: "ما بال أحدكم يقوم أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخم في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد ليتفل هكذا" ووصف القاسم: فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض" 2.
3- ويباح للمصلي أن يضع أمامه سترة كمؤخرة الرحل، لما روي عن
__________
1 رواه مسلم 1/318 ح422.
2 رواه مسلم 1/389 ح550.
(1/170)


موسى بن طلحة، عن أبيه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك" 1، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركز (وقال أبو بكر: يغرز) 2 العنزة ويصلي إليها. زاد ابن أبي شيبة: قال عبيد الله: وهي الحربة 3.
وتبدو الحكمة من السترة في كونها تحجب نقصان صلاة المرء إذا مر أحد من ورائها، وتحجب نظر المصلي لا سيما إذا كان لها جرم شاخص، فإنها تعين المصلي على حضور قلبه وحجب بصره، وقبل ذلك فيها امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإتباع لهديه، وفي ذلك خير عظيم.
فإن لم يجد شاخصا خط أثر في الأرض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "..فمن لم يجد فليخط خطا.." 4.
والسترة تكون للمنفرد وللإمام دون المأموم، لأن المأموم سترته هي سترة إمامه، أو الإمام سترة للمأموم، لحديث ابن عباس أنه قال: "أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد"5.
__________
1 رواه مسلم 1/358 ح499.
2 العنزة: كنصف الرمح، لكن سنانها في أسفلها بخلاف الرمح، فإنه في أعلاه.
3 رواه مسلم 1/359 ح501.
4 رواه ابن ماجه 1/303 ح943، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص71 ح196، وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص49 ح249: وأخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان، ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن.
5 رواه البخاري 1/126 كتاب الصلاة، باب ستر الإمام سترة من خلفه.
(1/171)


1- ويباح للإمام والمنفرد أن يعوذا عند آية الوعيد، وأن يسألا عند آية الرحمة، لحديث حذيفة يصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: " ... يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ.."1.
أما المأمون فإن أدى تعوذه أو سؤاله عدم الإنصات للإمام فإنه ينهى عنه، وإن لم يؤدي إلى عدم الإنصات فإن له ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا بأم القرآن.
2- ويباح في الصلاة السجود على ثياب المصلي أو عمامته لعذر، لما روي عنم أنس رضي الله عنه قال: ""2.
3- ويباح في الصلاة حمد الله عند العطاس أو عند حدوث نعمة، لما روي عن رفاعة بن رافع قال: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: "من المتكلم في الصلاة؟ " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية: "من المتكلم في الصلاة؟ " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: "من المتكلم في الصلاة؟ " فقال رفاعة بن رافع بن عفراء: أنا يا رسول الله قال: "كيف قلت؟ " قال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقد ابتدرتها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها" 3.
__________
1 رواه مسلم 1/536، 537 ح772.
2 رواه البخاري 1/101 كتاب الصلاة، باب السجود على الثوب في شدة الحر.
3 رواه الترمذي 2/254، 255 ح404 وقال: حديث رفاعة حديث حسن.
(1/172)


1- ويباح في الصلاة رد السلام بالإشارة، لما روى جابر رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة ثم أدركته وهو يسير (قال قتيبة: يصلي) فسلمت عليه، فأشار إلي، فلما فرغ دعاني فقال: "إنك سلمت آنفا وأنا أصلي" وهو موجه حينئذ قبل المشرق1.
وتكون الإشارة بالإصبع أو باليد جميعا أو بالإيماء بالرأس، فكل ذلك وارد في السنة.
2- ويباح في الصلاة أن يمشي المصلي ليقرب من سترة يتحاشى بها ما يمر بين يديه، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: "هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر، فحضرت الصلاة – يعني فصلى إلى جدار – فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه"2.
ويباح له أن يدفع المار بين يديه، لما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فاليقاتله، فإنما هو شيطان" 3.
16- ويباح للمصلي أن يصلي في نعلين طاهرين، لما روي عن أبي سلمة سعيد بن زيد قال: "قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم"4.
__________
1 رواه مسلم 1/383 ح540.
2 رواه أبو داود 1/455 ح708 وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/136 ح652: حسن صحيح.
3 رواه مسلم 1/362 ح505.
4 رواه مسلم 1/391 ح555.
(1/173)


17- ويباح في الصلاة لعن الشيطان والتعوذ منه، والعمل القليل، لما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك" ثم قال: "ألعنك بلعنة الله" ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال: "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " 1.
__________
1 رواه مسلم 1/385 ح542.
(1/174)


وصف للصلوات الخمس:
فرض الله سبحانه وتعالى الصلاة على عباده في كتابه الكريم، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} 1، وبين كيفيتها نبيه الأمين عن تعليم الأمين جبريل عليه الصلاة والسلام، وأمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم باتباعه، فقال فيما رواه مالك بن حويرث: " ... وصلو كما رأيتموني أصلي.." 2.
والصلوات المفروضة على العباد خمس صلوات في اليوم والليلة، فعن أبي محيرز، " خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له "3.
وأوقات الصلاة خمسة، أشار إليها القرآن إجمالا، وجاءت بها السنة تفصيلا، قال تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} 4، {لدلوك الشمس} أي لزوالها، {إلى غسق الليل} أي
__________
1 سورة النساء، الآية [103] .
2 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة.
3 رواه أبو داود 2/130، 131 ح1420، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/86 ح425.
4 سورة الإسراء، الآية [78] .
(1/175)


إلى نصف الليل؛ لأن تمام الغسق وهو الظلمة يكون في وسط الليل، فهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل لا تخلوا لحظة منه من وقت لصلاة، وتفصيل ذلك جاءت به السنة.
- وقت الظهر: من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله.
- وقت العصر: من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس اختيارا، وإلى الغروب اضطرارا.
- وقت المغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وهو الحمرة التي تعقب غروب الشمس.
- ووقت العشاء: من مغيب الشفق إلى نصف الليل.
وهذه الأوقات الأربعة المتصل بعضها ببعض قد دل عليها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الثابت في حديث مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان" 1.
أما الوقت الخامس فقال تعالى: {وقرآن الفجر} فصله عما قبله، لأن وقت الفجر منفصل عما قبله، ومنفصل عما بعده، لأن من نصف الليل إلى طلوع الفجر فليس وقتا للصلاة المفروضة، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقت للفجر، ومن طلوع الشمس إلى زوالها ليس وقتا لصلاة مفروضة، ومن ثم جاء القرآن مفردا لصلاة الفجر،
__________
1 رواه مسلم 1/427 ح612، برقم173 في الباب.
(1/176)


فقال: {وقرآن الفجر} ، ولكن الله عز وجل عبر عن الفجر بقرآنه، لأن القراءة تطول في صلاة الفجر1.
هذه الأوقات الخمسة، لو صلى الإنسان الصلاة قبل وقتها بقدر تكبيرة الإحرام فلا تصح صلاته، لأنه ابتدأها قبل دخول الوقت، ولو أن أحدا أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي، فلا تصح صلاته، كما لو تعمد رجل ألا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس وصلى الفجر، فإن الصلاة لا تقبل منه، ولا يشرع له قضاؤها، لأنه لا فائدة له من القضاء.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 2، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بأن الإنسان إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها لم تقبل منه، وإن صلاها ألف مرة، بخلاف من أخرها عن وقتها لعذر3، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" 4.
وصلاة الظهر كما هو معلوم من السنة المطهرة أربع ركعات في الحضر، وركعتان في السفر، والعصر كالظهر، وأما المغرب فثلاث ركعات في الحضر والسفر، والعشاء أربع ركعات في الحضر، ركعتان في السفر، والفجر ركعتان في الحضر والسفر.
يؤدي المسلم هذه الصلوات على الوجه الشرعي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن ذكرنا وصفا تفصيليا للصلاة.
__________
1 من أحكام الصلاة: للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص10، 11، 12.
2 رواه مسلم 2/1344 ح1718.
3 من أحكام الصلاة: للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص13.
4 رواه مسلم 1/477 ح683.
(1/177)


الصلاة في البلدان التي يطول فيها النهار جدا أو يقصر جدا أو لا يرى فيها النهار أو الليل في بعض أيام السنة:
اختلف أهل العلم في مسألة تقدير الوقت في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، والبلاد التي يقصر نهارها ويطول ليلها، وكذلك في البلاد القطبية حيث يستمر الليل نصف سنة في القطب الشمالي بينما تكون هذه المدة الطويلة نهارا في القطب الجنوبي، فمنهم من يرى التقدير، ومنهم من يرى إلحاق هذه البلاد بأقرب البلاد إليها.
القول الأول: قال بعض أهل العلم:
إن هؤلاء جميعا لهم حكم واحد، وهو أن تقدر أوقات الصلاة والصيام لهم، لكنهم اختلفوا على أي البلاد يكون التقدير، على قولين.
أ - أن يقوموا بتقدير أيامهم ولياليهم وأشهرهم بحساب أوقات أقرب البلاد المعتدلة إليهم، التي تتميز فيها الأوقات، ويتسع كل من نهارها وليلها لما فرض الله من صوم وصلاة.
ب - وقال بعضهم: بل يقدرون أوقاتهم على حسب البلاد التي نزل فيه التشريع: مكة أو المدينة، لأن هذا أيسر لهم، خصوصا أنهم يتوجهون إلى الكعبة في صلاتهم كل يوم وليلة.
وقال محمد رشيد رضا في تفسير المنار: "واختلفوا في التقدير على أي البلاد يكون؟ فقيل على البلاد المعتدلة التي فيها التشريع كمكة والمدينة، وقيل على أقرب بلاد معتدلة إليهم، وكل منهما جائز، فإنه اجتهادي
(1/178)


لا نص فيه"1.
القول الثاني: قال بعض أهل العلم:
إذا كان يوجد في هذه البلاد نهار وليل، وجب عليهم الصلاة والصيام، مهما كان طول النهار وقصر الليل والعكس.
والذي أراه راجحا أن الحكم يختلف بين البلاد التي لها ليل ونهار، والبلاد التي لا يوجد فيها ليل أو نهار. فالبلاد التي يكون فيها ليل أو نهار يلزم أهلها الصلاة والصوم مهما طال النهار أو قصر، لأن الله أناط الحكم بالنهار والليل، قال الله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} 2.
أما البلاد التي لا يوجد فيها ليل أو نهار البتة، كالبلاد القطبية، فهؤلاء يقدرون أوقاتهم على حسب أقرب البلاد إليهم.، ولا بد أن لهم تقديرا في بعض شؤون حياتهم اليومية، فما كانوا يعملون به في أمور دنياهم ينبغي أن يعلموا به في أمور عبادتهم، وهذا أيسر عليهم وأسهل.3.
وقد ورد إلى سماحة الشيخ/ عبد العزيز ابن باز – يحفظه الله - مفتي عام المملكة العربية السعودية السؤال التالي:
قد يستمر الليل أو النهار في بعض الأماكن لمدة طويلة، وقد يقصر جدا بحيث لا يتسع لأوقات الصلوات الخمس، فكيف يؤدي ساكنوها صلاتهم؟
__________
1 تفسير القران الحكيم الشهير بتفسير المنار: محمد رشيد رضا 2/163.
2 سورة هود، الآية [114] .
3 انظر الصيام: للمؤلف ص35، 36.
(1/179)


وقد أجاب فضيلته بما يأتي:
الواجب على سكان هذه المناطق التي يطول فيها النهار أو الليل أن يصلوا الصلوات الخمس بالتقدير إذا لم يكن لديهم زوال ولا غروب لمدة أربع وعشرين ساعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان المخرج في صحيح مسلم في يوم الدجال الذي كسنة، سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "أقدروا له قدره"، وهكذا حكم اليوم الثاني من أيام الدجال، وهو اليوم الذي كشهر، وهكذا اليوم الذي كأسبوع.
أما المكان الذي يقصر فيه الليل ويطول فيه النهار أو العكس في أربع وعشرين ساعة، فحكمه واضح يصلون فيه كسائر الأيام.. ولو قصر الليل جدا أو النهار لعموم الأدلة1.
__________
1 فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة، من أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ص 5، 6.
(1/180)


الصلاة في السفر:
من سماحة الإسلام ويسره، ما شرع من أحكام تتعلق بالصلاة في السفر، فكلما وجدت المشقة وجد التيسير، قال الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} 1. وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2.
والصلاة في السفر تختلف عنها في الحضر، لما يترتب على السفر من أحكام كقصر الصلاة إباحة الفطر في رمضان، وامتداد مدة المسح على الخفين، وسقوط الجمعة والنوافل ماعدا سنة الفجر، وسقوط العيدين والأضحية ...
والسفر هو مفارقة محل الإقامة، ويسن للمسافر فيه قصر الصلاة الرباعية: الظهر والعصر والعشاء سواء كان في بر أو بحر أو جو ولا يجوز قصر الصبح والمغرب بالإجماع، لأنهما لو قصرا لفات المقصود منهما، فقصر صلاة الصبح يجحف بها لقتلها ويجعلها وترا، وقصر المغرب يخرجها عن كونها وترا، والأصل إتباع النص.
وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين لا يكون إلا في السفر فقط، وهو سنة مؤكدة، ويكره الإتمام لغير سبب، فلا يجوز لمريض ونحوه، بخلاف الجمع، والدليل على ذلك ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقال الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن
__________
1 سورة البقرة، الآية [185] .
2 سورة البقرة، الآية [286] .
(1/181)


تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} 1 ولا يكون والآية كما تبدو مقيدة بخوف الفتنة من الكفار أي (أن يمنعوكم من إتمام صلاتكم) ، ولكن هذا القيد مرتفع بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها عن ربه، فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فقد آمن الناس! فقال: عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" 2، فصارت إباحة القصر في الأمن صدقة تصدق الله بها علينا.
وأما السنة 3 فقد تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره حاجا ومعتمرا وغازيا، وقال ابن عمر: إني صحبت4 رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} 5.
وقال عبد الله بن مسعود: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصلت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب
__________
1 سورة النساء، الآية [101] .
2 رواه مسلم 1/479، 480 ح689.
3 انظر المغني: ابن قدامة 2/255.
4 رواه مسلم 1/479، 480 ح689.
5 سورة الأحزاب، الآية [21] .
(1/182)


بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات، ركعات متقبلتان 1.
وقال أنس بن مالك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين، حتى رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرا2.
وأما الإجماع: فقال ابن قدامة: وأجمع أهل العلم على أن من سافر سفرا تقصر في مثله الصلاة في حج أو عمرة أو جهاد أن له أن يقصر الرباعية فيصليها ركعتين3.
__________
1 رواه مسلم 1/483 ح695.
2 رواه مسلم 1/481 ح693.
3 المغني ابن قدامة 2/225.
(1/183)


شروط قصر الصلاة:
والقصر جائز بشروط ستة:
الأول: أن تكون1 مسافة السفر مبيحة للقصر. علق الشارع الحكيم قصر الصلاة وإباحة الفطر على مطلق السفر دون تحديد له، غير أنه لما كان السفر مظنة المشقة، والمشقة لا تحصل غالبا إلا مع السفر الطويل، اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في تحديد مسافة السفر المبيحة للقصر والفطر.
فمنهم: من ذهب إلى أن المسافة التي يجوز القصر والفطر فيها هي مسيرة يومين كاملين فأكثر، وهي تعادل ثمانين كيلو مترا تقريبا.
ومنهم: من ذهب إلى أن المسافة المبيحة للقصر والفطر مسيرة ثلاثة أيام.
ومنهم: من ذهب إلى أن المسافة المبيحة للقصر والفطر مسيرة يوم واحد.
ومنهم: من ذهب إلى أنه لاحد للسفر الذي يباح القصر والفطر فيه، بل كل ما سمي سفرا عرفا جاز الفطر فيه.
والراجح: هو القول الأول؛ لأن مسافة اليومين تحتاج إلى الاستعداد، وفيها مشقة ظاهرة وبهذا القول أخذ جماعة الصحابة والتابعين، وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله.
__________
1 انظر الصيام: للمؤلف ص 83، 84
(1/184)


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ... وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر، فمذهب مالك والشافعي وأحمد أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام هو ستة عشر فرسخا1، كما بين مكة وعسفان ومكة وجدة، وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام، وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي.."2.
قال ابن قدامة: وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر، لأن الأصل الإتمام، فلا يزول بالشك، والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر، فلو نوى سفرا طويلا فقصر، ثم بدا له فأقام أو رجع، كانت صلاته صحيحة، ولو خرج طالبا لآبق أو منتجعا غيثا، متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهرا.
ولو خرج مكرها كالأسير يقصد به بلدا بعينه فله القصر، لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر، فإذا وصل حصنهم أتم حينئذ نص عليه، وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة، فسلك البعيدة ليقصر، فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله، فجاز له القصر، كما لو لم يكن له طريق سواه3.
الثاني: أن يكون السفر مباحا؛ لأن الأسفار تنقسم إلى خمسة
__________
1 والفرسخ ثلاثة أميال، والميل (1609م) تقريبا، 16 × 3 = 48، 48× 1609= 77232 مترا، أي ما يزيد على سبعة وسبعين كيلو مترا، فأوصلناها ثمانين كيلو مترا تقريبا.
2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/212، ويلاحظ أن الشيخ يرجح الرأي الأخير الذي لا يحدد المسافة، بل يربطها بالعرف.
3 انظر الكافي: ابن قدامة 1/196، والمغني: ابن قدامة 2/258، 259.
(1/185)


أقسام:
1- حرام كسفر لفعل محرم، كالسفر لبلاد الكفر بحثا عن الدعارة والمخدرات والجريمة، وسفر قطاع الطريق واللصوص ومن في حكمهم، ممن ينشرون الفساد في الأرض ويؤذون المؤمنين، ومنه سفر المرأة بلا محرم.
2- مكروه كالسفر وحده.
3- مباح كالسفر للنزهة.
4- واجب كالسفر لفريضة الحج أو العمرة أو الجهاد.
5- مستحب كالسفر للحجة الثانية.
والسفر المباح هو ما ليس بحرام ولا مكروه.
قال ابن قدامة: فإن سافر لمعصية كالآبق، وقطع الطريق والتجارة في الخمر لم يقصر، ولم يترخص بشئ من رخص السفر، لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يرد الشرع بذلك1.
ويمنع المسافر إلى معصية من رخص السفر، فيمنع من قصر الصلاة والمسح على الخفين ثلاثة أيام، والفطر في رمضان، فإن انقلب السفر المحرم مباحا كأن يعود من سفره تائبا مستغفر جاز له القصر بشروطه.
الثالث: أن يشرع في السفر ويفارق عامر قريته، لقول الله تعالي: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} 2،
__________
1 انظر الكافي: ابن قدامة 1/197.
2 سورة النساء، الآية (101) .
(1/186)


لأنه لا يكون ضاربا في الأرض إلا إذا شرع في السفر، ولا يجوز له القصر ما دام في قريته ولو كان عازما على السفر أو مرتحلا أو راكبا يمشي بين البيوت.
قال ابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره، وبهذا قال مالك والشافعي والأوزاعي وإسحق وأبو ثور، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين1.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر: أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها2.
وروي عن أنس رضي الله عنه قال: "صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين"3.
ويرى بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو في بيته.
والصحيح أن القصر مع نية الإحرام بالصلاة، لأنه إن أطلق النية، فستنصرف إلى الأصل وهو الإتمام، وإن نوى الإتمام لزمه.
الخامس: أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر، فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها، لأنه تعين فعلها أربعا، فلم يجز النقصان فيها، كما لو نوى أربع ركعات، ولأن القضاء معتبر بالأداء،
__________
1 المغني: ابن قدامة 2/259.
2 المغني: ابن قدامة 2/260.
3 رواه البخاري 2/36 كتاب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه.
(1/187)


والأداء أربع1.
السادس: أن لا يأتم بمقيم، فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها، فعن موسى بن سلمة أنه قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم2.
وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ولأنها صلاة مردودة من أربع، فلا يصليها خلف من يصلي الأربع3.
واشترط جماهير أهل العلم أن يكون واقعا في مدته، وهي أربعة أيام فأقل لمن عزم على الإقامة.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/197، 198.
2 رواه أحمد 1/216 مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصحح إسناده أحمد شاكر في حاشيته على المسند 3/260.
3 الكافي: ابن قدامة 1/198.
(1/188)


مسائل تتعلق بالقصر:
1- فمن أحرم بالصلاة في بلده ثم شرع في سفره، فإتمام الصلاة واجب في حقه لأنه ابتدأ الصلاة في حال يلزمه فيها الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة راسية في نهر يشق البلد، فلما كبر للصلاة مشت السفينة وفارقت البلد وهو في أثناء الصلاة، فهذا أحرم في البلد ثم سافر فيلزمه الإتمام.
2- ومن أحرم بالصلاة مسافرا قبل أن يدخل بلده، ثم دخل البلد أثناء الصلاة، يلزمه الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة أحرم بالصلاة قبل أن يدخل البلد، ثم دخل أثناء الصلاة البلد فيلزمه الإتمام.
وهاتان المسألتان: الولي والثانية: يمنعه، فغلب جانب المنع؛ لما عليه الفقهاء إذا اجتمع مبيح وحاظر فالحكم للحاظر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"1، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.." 2.
قال ابن قدامة تعليقا على المسألتين: لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر، ووجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب حكمه كالمسح3.
3- من نسي صلاة الحضر فذكرها في سفر، لأن هذه الصلاة لزمته تامة،
__________
1 رواه الترمذي 4/668 ح 2518، وقال: حسن صحيح.
2 رواه مسلم 2/1219، 1220 ح 1599.
3 الكافي: ابن قدامة 1/198.
(1/189)


فوجب قضاؤها تامة، عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: ".. إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها" 1 أي يصلي هذه الصلاة كما هي إذا ذكرها.
1- من نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر، قال النووي: وإن فاتته صلاة في السفر
فقضاها في الحضر، ففيه قولان: قال في القديم: له أن يقصر لأنها صلاة سفر، فكان قضاؤها كأدائها في العدد، كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر، وقال في الجديد: لا يجوز له القصر، وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض.
وإن فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان: أحدهما: لا يقصر لأنها صلاة ردت من أربع إلى ركعتين، فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة. والثاني: له أن يقصر، وهو الأصح، لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض2.
2- مسافر ائتم بمقيم، فيجب أن يتم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 3، فإن أدرك ركعة في الظهر أتى بثلاث، وإن أدرك التشهد أتى بأربع. ولو أدرك المسافر من الجمعة
__________
1 رواه الترمذي 1/334 ح 177، وقال حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح.
2 المجموع: النووي 4/366.
3 رواه البخاري 1/156 كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار.
(1/190)


أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا لائتمامه بالمقيم1، فإن أدرك ركعة أتمها جمعة.
1- مسافر ائتم بمن يظن أنه مقيم أو يشك في كونه مسافرا أو مقيما، فيجب عليه الإتمام وإن قصر إمامه اعتبارا بالنية، لأن من شروط القصر أن ينويه بنية جازمة غير متردد.
فإن علق نيته بقوله: إن أتم إمامي أتممت، وإن قصر قصرت، فله متابعة إمامه، إن قصر ففرضه القصر، وإن أنم ففرضه الإتمام، ولا يدخل هذا في الشك، لكنه من باب تعليق الفعل بأسبابه.
فإن غلب على ظنه أنه مسافر لوجود ما يدل على ذلك، كمن يحمل أمتعة سفر في المطار، فله أن ينوي القصر، وعليه أن يتبع إمامه، فإن قصر تبعه، وإن أتم تبعه.
2- قال ابن قدامة في كلامه عن المسافر: ولو نوى الإتمام أو ائتم بمقيم ففسدت الصلاة وأراد إعادتها لزمه الإتمام أيضا، لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها خلف المقيم، ونية الإتمام، وهذا قول الشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة: إذا فسدت صلاة الإمام عاد المسافر إلى حاله2.
والراجح أن المسافر يعود إلى حاله فله أن يقصر إذا صلى وحده أو مع جماعة يقصرون، وذلك لأن صلاته التى شرع فيها إنما يلزمه إتمامها تبعا لإمامه لا من الأصل، وبعد أن فسدت زالت التبعية، فلا يلزمه إلا صلاة مقصورة.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/198.
2 المغني: ابن قدامة 2/266.
(1/191)


وكذا مسافر ائتم بمقيم، وبعد شروع الصلاة، ذكر المسافر أنه على غير وضوء، فذهب وتوضأ، فلما رجع وجد الناس قد صلوا، فلا يلزمه الإتمام، لأن الصلاة لم تنعقد أصلا.
1- مسافر دخل وقت الصلاة وهو في السفر، ثم دخل البلد، فإنه يتم اعتبارا بحال فعل الصلاة، أما لو دخل وقت الصلاة وهو في البلد ثم سافر فإنه يقصر.
قال ابن قدامة: قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، لأنه سافر قبل خروج وقتها، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها.
2- مسافر شرع في صلاة رباعية ولم ينو القصر ولا الإتمام. قال ابن قدامة: ولنا أن الأصل الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه1.
وهناك من يرى أنه يقصر لأنه الأصل، والأحوط الإتمام، أما من نوى فعلى حسب نيته، فمن نوى القصر قصر، ومن نوى الإتمام أتم.
3- مسافر شرع في الصلاة ثم شك في نيته، أنوى القصر أم لم ينو؟ قال ابن قدامة: فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام.
وهناك من يرى أنه يقصر ولا يلزمه الإتمام، لأن الأصل في صلاة المسافر القصر، ولأن من شك في وجود شئ أو عدمه فالأصل العدم، فأشبه هنا من لا نية له، والأحوط الإتمام.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/197.
(1/192)


1- مسافر نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فيلزمه الإتمام، والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، عندما قدم إلى مكة في حجة الوداع يوم الحد الرابع من ذي الحجة، وأقام فيها، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء وخرج يوم الخميس إلى منى، فأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة خلافا واسعا، والصحيح أنه إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام لزمه إتمام الصلاة والصوم كغيره من المقيمين، لانقطاع أحكام السفر في حقه، سواء كانت إقامته لدراسة أو لتجارة أو غير ذلك من الأمور المباحة.
وأن نوى إقامة أربعة أيام فأقل، أو أقام لقضاء حاجة لا يدري متى تنقضي، فله القصر لعدم انقطاع أحكام السفر في حقه1.
2- والملاح الذي يسير في سفينة وليس له بيت سوى سفينته، فيها أهله وتنوره وحاجته لا يباح له الترخيص، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الملاح أيقصر ويفطر في السفينة؟ قال: أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم، قيل له: وكيف تكون بيته؟ قال: لا يكون له بيت غيرها، معه فيها أهله، وهو فيها مقيم، وهذا قول عطاء، وقال الشافعي: يقصر ويفطر لعموم النصوص وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الشخير: "أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ " قلت: وما وضع الله عن المسافر؟ قال: "الصوم وشطر الصلاة" 2، ولأن
__________
1 انظر بدائع الصنائع: الكاساني 1/97، وبداية المجتهد: ابن رشد 1/287، والمجموع: النووي 6/263، ومغني المحتاج: محمد الشربيني 1/437، والروض المربع: البهوتي 3/372.
2 رواه النسائي: 4/182 كتاب الصيام، باب فضل الإفطار في السفر على الصيام، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/486 ح 2151.
(1/193)


كون أهله معه لا يمنع الترخيص كالجمال1. والصحيح أن الملاح معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد المغادرة ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته. فلو كان له نية الإقامة في بلد فإنه يقصر لكونه مسافرا وفق ما ذكرناه آنفا من قيد المسافة والزمن.
قال أبو داود: سمعت أحمد يقول في المكاري الذي هو دهره في السفر: لابد من أن يقدم فيقيم اليوم، قيل: فيقيم اليوم واليومين والثلاثة في تهيئة للسفر. قال: هذا يقصر. وذكر القاضي وأبو الخطاب انه ليس له القصر كالملاح، وهذا غير صحيح لأنه مسافر مشفوق عليه، فكان له القصر كغيره، ولا يصح قياسه على الملاح، فإن الملاح في منزله سفرا وحضرا، ومعه مصالحه وتنوره وأهله، وهذا لا يوجد في غيره، وإن سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخيص2.
والفيج: وهو المسرع في سيره الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد أشبه برجل البريد، وهو كالمكاري في حكم القصر.
1- مسافر إلى بلد آخر، ولمقصده طريقان، أحدهما بعيد يبلغ مسافة القصر، والآخر قريب لا يبلغ حد القصر، فسلك أبعدهما، فله القصر، لأنه يصدق عليه أنه مسافر سفر قصر، بينما لو تعمد الأبعد ليتحايل على الفطر في رمضان، فالفطر عليه حرام، والصيام واجب عليه حينئذ.
2- مسافر منع من السفر ولم ينو إقامة كمن حبسه سلطان بحق أو بظلم،
__________
1 المغني: ابن قدامة 2/266.
2 المغني: ابن قدامة 2/265.
(1/194)


أو حبس بعدو أو مرض أو خوف، فإنه يقصر إن كان حبسه أربعة أيام فأقل، فإن كان أكثر من أربعة أيام لم يقصر إلا إذا كان لا يعلم مدة حبسه، فإنه يقصر على كل حال.
1- مسافر لم يجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام، فله القصر. قال ابن قدامة: وإن قال: إن لقيت فلانا أقمت، وإلا لم أقم، لم يبطل حكم سفره، لأنه لم يعزم على الإقامة1.
وكذا من أقام لقضاء حاجة ولم ينو إقامة مطلقة، فإنه يقصر أبدا، لأنه لا يعد مستوطنا، والإقامة تقيد بزمن وتقيد بعمل، فإن نوى أكثر من أربعة أيام أتم، ودونها يقصر وإن قيد إقامته بعمل يقصر فيها أبدا ولو طالت المدة، كمن سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي.
2- إذا كان السفر مباحا، فغير نيته إلى المعصية، انقطع الترخيص لزوال سببه. ولو سافر لمعصية فغير نيته إلى مباح، صار سفرا مباحا، وأبيح له ما يباح في السفر المباح، وتعتبر مسافة السفر من حيث غير النية، ولو كان سفره مباحا فنوى المعصية بسفره، ثم رجع إلى نية المباح، اعتبرت مسافة القصر من حين رجوعه إلى نية المباح، لأن حكم سفره انقطع بنية المعصية، فأشبه ما لو نوى الإقامة، ثم عاد فنوى السفر، فأما إن كان السفر مباحا لكنه يعصي فيه، لم يمنع ذلك الترخيص لأن السبب هو السفر المباح، وقد وجد فثبت حكمه، ولم يمنعه وجود معصية، كما أن معصيته في الحضر لا تمنع الترخيص فيه2.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/201.
2 المغني: ابن قدامة 2/263، 264.
(1/195)


1- مسافر قلب نيته إلى سفر قصير، لزمه إتمام الصلاة، ولزم من خلفه متابعته.
2- ومن قصر معتقدا تحريم القصر فصلاته فاسدة، لأنه فعل ما يعتقد تحريمه1 (1) .
وقصر الصلاة رخصة، تدل في جوهرها على سماحة الإسلام، ومراعاته لأحوال المسلمين وظروفهم، فكم من التعب يلقاه المسافر! وكم من المشقة يمر بها!
ولكن يجب أن لا ينقطع عن العبادة المفروضة، وينبغي أن لا يتخلى عن التحلي بالسنن والواجبات، حتى يستمر المؤمن في صلته بربه أينما حل وارتحل، فيعيش تملأ حياته الطاعة، ويستقر في نفسه الإيمان.
إنها سماحة الإسلام التي تراعي أحوال المسلم في سفره وفي مرضه وفي خوفه، ويأتي تشريع الحكيم العليم وافيا بما يناسب حال الإنسان في كل زمان ومكان.
إنها عدالة الله تراعي ظروف الخلف، حاملة في طياتها الرأفة والرحمة واليسر، قال الله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} 2.
قال ابن عبد البر: وفي إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/197.
2 سورة المائدة، الآية (6) .
(1/196)


إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أن يلزمه أربع، دليل واضح على أن القصر رخصة، إذ لو كان فرضه ركعتين لم يلزمه أربع بحال1.
__________
1 المغني: ابن قدامة 2/268.
(1/197)


جمع الصلاة في السفر
...
جمع الصلاة في المسافر:
تعريف الجمع وبيان حكمه:
والجمع: هو ضم إحدى الصلاتين للأخرى، ويكون الجمع بين الظهر والعصر، كما يكون بين المغرب والعشاء، ولا يكون في غيرهما، وهو سنة إذا وجد سببه لوجهين:
الأول: أنه رخصة، والله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه.
الثاني: أن فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع، ويدخل هذا في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " ... صلوا كما رأيتموني أصلي.." 1.
وقت الجمع وصفته:
إذا جاز الجمع لوجود السبب المبيح له، صار الوقتان وقتا واحدا، فأنت مخير بالجمع في وقت الأولى، أو في الوقت الذي بينهما، لما روى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل
__________
(1) رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..
(1/198)


العشاء، ثم نزل فجمع بينهما"1.
الأسباب المبيحة للجمع:
1- يجوز الجمع للمسافر سفرا تقصر فيه الصلاة، قال النووي: وفي السفر الذي لا يقصر فيه الصلاة قولان: أحدهما: يجوز لأنه سفر يجوز فيه التنقل على الراحلة، فجاز فيه الجمع كالسفر الطويل، والثاني: لا يجوز، وهو الصحيح لأنه إخراج عبادة عن وقتها، فلم يجز في السفر القصير كالفطر في الصوم2 والسفر الذي يجوز للمسافر أن يجمع فيه هو السفر المباح، ولا يجوز في غيره.
واختلف أهل العلم حول جواز الجمع للمسافر نازلا أو سائرا على قولين:
الأول: لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائرا لا إذا كان نازلا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء "3 يعني إذا كان سائرا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الصلاتين في حجة الوداع لأنه كان نازلا، ولا شك أنه في سفر لأنه يقصر الصلاة.
واحتج عليهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهرين في عرفة وهو نازل، وأجابوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ليدرك الناس صلاة الجماعة، لأنهم بعد الصلاة سوف يتفرقون في موقفهم في عرفة ويشق
__________
1رواه أبو داود 2/12ح1208، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/223، 224ح1607
2 المجموع: النووي 4/370.
3 رواه مسلم 1/488ح 703
(1/199)


جمعهم.
ونظير ذلك أن الناس يجمعون بين المغرب والعشاء في المطر من أجل تحصيل الجماعة، وإلا فبإمكانهم أن يصلوا الصلاة بوقتها في بيوتهم لأنهم معذورون بالوحل.
الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر سواء أكان نازلا أم سائرا، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو نازل، وبأن المسافر في الغالب يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها، إما للمشقة والعناء، وإما لقلة الماء، وإما لغير ذلك، وبأنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه فجوازه في السفر من باب أولى، ولعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر"1.
والصحيح أن الجمع للمسافر مستحب في حق السائر، وجائز في حق النازل، إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.
ولا تشترط النية للجمع، قال النووي: وقال المزني وبعض الأصحاب لا تشترط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، ولم ينقل أنه نوى الجمع ولا أمر إلى بنيته، وكان يجمع معه من تخفي عليه هذه النية، فلو وجبت لبينها2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتنازع العلماء في الجمع والقصر: هل يفتقر إلى نية؟ فقال جمهورهم: لا يفتقر إلى نية، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب أحمد ... وقال
__________
1 رواه مسلم 1/490،491ح705
2 المجموع: النووي 4/374.
(1/200)


الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد: إنه يفتقر إلى نية، وقول الجمهور هو الذي تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
فالنية ليست شرطا عند إحرام الأولى، وإنما يشترط وجود سبب الجمع عند الجمع، لذا للمصلي أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى، أو عند إحرامه في الثانية عند وجود السبب.
إذا حدث فصل بين الصلاتين يمنع الموالاة:
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز:
الواجب في جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين، ولا بأس بالفصل اليسير عرفا، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ... ، أما جمع التأخير فالأمر فيه واسع، لأن الثانية تفعل في وقتها، ولكن الأفضل هو المولاة بينهما تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك " 2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال، لا في الوقت الأولى، ولا في وقت الثانية، فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولأن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة 3 لأن معنى الجمع عنده: هو ضم وقت الثانية للأولى، بحيث يكون الوقتان وقتا واحدا. وليس ضم الفعل.
2- ويجوز الجمع في الحضر للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة وضعف، ويشمل ذلك المريض بأي مرض يجد من الأفراد في الصلاة مشقة، لعموم قول الله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا
__________
1مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/28.
2فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة من أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ص93، 94.
3مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24 / 54
(1/201)


يريد بكم العسر} 1 وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} 2، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر"3، وقيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته. فدل ذلك على انتفاء الخوف والمطر، وعلى انتفاء السفر أيضا لكونه في المدينة، ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع، فيجمع المريض متى لحقه بالإفراد مشقة، سواء أكان صداعا في الرأس أم وجعا في الظهر أم في البطن أم في الجلد أم غير ذلك.
قال ابن قدامة: وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فلم يبق إلا المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سلهة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الإستحاضة، وهو نوع مرض، ثم هو مخير بين التقديم والتأخير، أي ذلك كان أسهل عليه فعله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت، ويؤخر إذا ارتحل قبله طلبا للأسهل، فكذلك المريض، وإن كان الجمع عنده واحدا فالأفضل التأخير4.
3- ويجوز الجمع لمطر يبل الثياب لوجود المشقة من بلل أو برد، وتزداد المشقة مع هذا بوجود ريح شديدة مع هذا بوجود ريح شديدة. ويجوز الجمع لوحل يشق على
__________
1سورة البقرة، الآية (185) .
2سورة الحج، الآية (78)
3رواه مسلم 1/490، 491ح 705.
4سورة البقرة، الآية (185) .
(1/202)


الناس أن يمشوا عليه، ويجوز الجمع للريح إذا كانت شديدة باردة أو كانت شديدة تحمل ترابا يتأثر به الإنسان ويشق عليه.
روى البيهقي عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة"1
وكون النبي صلى الله عليه وسلم جمع في ليلة مطيرة لا يمنع أن يجمع في يوم مطير، لأن العلة هي المشقة، لذا يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشاءين لوجود المشقة.
ولا تنحصر أسباب الجمع فيما ذكرنا من أسباب، ولكن2 إذا دعت الحاجة وشق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها فلا حرج عليه أن يجمع حينئذ.
ومثال ذلك:
المستحاضة بين الظهرين، وبين العشاءين يجوز لها الجمع لمشقة التوضؤ عليها كل صلاة، وكذا مرافق المريض الذي لا يستطيع أن يغيب عن مراقبته ومتابعته قليلا من الوقت خشية هلاك المريض أو تأخر برئه.. فإنه يجمع ولا حرج عليه، والمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن يشق عليه ترك الجمع.
ولا يجوز الجمع لغير عذر شرعي، لأن كل صلاة لها وقتها الذي لا تصح ولا تقبل إلا بدخوله، قال الله تعالى {إن الصلاة كانت
__________
1رواه البيهقي موقوفا على ابن عمر 3/168كتاب الصلاة، باب الجمع في المطر ين الصلاتين، وضعفه الألباني في الإرواء 3/39ح 581، وقال: ضعيف جدا وسنده واه جدا.
2فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (103)
(1/203)


على المؤمنين كتابا موقوتا} 1.، وتقديم الصلاة أو تأخيرها عن وقتها المشروع أداؤها فيه دون عذر، ظلم للنفس، وتعد لحدود الله سبحانه وتعالى: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} 2، وقال تعالى {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} 3، وهكذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض.4.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر5.
__________
1سورة النساء، الآية (103)
2سورة البقرة، الآية (229)
3سورة الطلاق الآية (1)
4مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 22/30.
5المصدر السابق 22/31
(1/204)


هل هناك تلازم بين الجمع والقصر؟
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز: ليس بينهما تلازم، فللمسافر أن يقصر ولا يجمع، وترك الجمع أفضل إذا كان المسافر نازلا غير ظاعن، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه قصر ولم يجمع، وقد جمع بين القصر والجمع في غزوة تبوك، فدل على التوسع في ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يقصر ويجمع إذا كان على ظهر سير غير مستقر في مكان.
أما الجمع فأمره أوسع، فإنه يجوز للمريض، ويجوز أيضا للمسلمين في مساجدهم عند وجود المطر بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، ولا يجوز لهم القصر، لأن القصر مختص بالسفر فقط1.
وإن2 أتم الصلاتين في وقت الأولى، ثم زال العذر بعد فراغه منهما، قبل دخول وقت الثانية، أجزأته، ولم تلزمه الثانية في وقتها، لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزية عن ما في ذمته، وبرئت ذمته منها، فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك، ولأنه أدى فرضه حال العذر، فلم يبطل بزواله بعد ذلك، كالتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة.
__________
1فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة: ابن باز ص88، 89 بتصرف يسير.
2المغني: ابن قدامة 2/281.
(1/205)


ما هي رخص السفر؟
رخص السفر أربعة:
1- صلاة الرباعية ركعتين.
2- الفطر في رمضان، ويقضيه عدة أيام أخر.
3- المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مرة مسح.
4- سقوط المطالبة براتبة الظهر والمغرب والعشاء.
أما راتبة الفجر وبقية النوافل فإنها باقية على مشروعيتها واستحبابها، فيصلي المسافر صلاة الليل وسنة الفجر وركعتي الضحى وسنة الوضوء وركعتي دخول المسجد وركعتي القدوم من السفر.. فإن من السنة إذا قدم الإنسان من سفر أن يبدأ قبل دخول بيته بدخول بيت الله (المسجد) فيصلي فيه ركعتين.
وهكذا بقية التطوع بالصلاة فإنه لا يزال مشروعا بالنسبة للمسافر ما عدا ما قلت سابقا، وهي: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الرواتب الثلاث1.
هل تسقط مشروعية السنن الرواتب في السفر؟
المشروع ترك الرواتب في السفر ما عدا الوتر سنة الفجر، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث ابن عمر وغيره، أنه كان يدع الرواتب في السفر ماعدا الوتر وسنة الفجر، أما النوافل المطلقة فمشروعة في السفر
__________
1فتاوى إسلامية: مجموعة من العلماء1/404
(1/207)


والحضر، وهكذا ذوات الأسباب، كسنة الوضوء وسنة الطواف وصلاة الضحى والتهجد في الليل لأحاديث وردت في ذلك 1.
__________
1فتاوى إسلامية: مجموعة من العلماء 1/403
(1/208)


صلاة الراكب:
والراكب على الدابة من أهل الأعذار إذا كان نزوله عنها للصلاة يؤذيه. قال ابن عابدين: واعلم أن ماعدا النوافل من الفرض والواجب بأنواعه لا يصح على الدابة إلا لضرورة، كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وخوف سبع وطين ونحوه1.
ومنها خشية فوات رفقة بنزوله، أو يعجز عن الركوب بعد النزول، أو يعجز عن النزول خلال وقت الصلاة ولا يستطيعه إلا بعد فوات وقتها، فمن لحقه عذر شرعي بنزوله صلى على دابته، لحديث يعلي بن مرة، أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقام أو أقام، فتقدم على راحلته فصلى بهم، يومئ إيماء: يجعل السجود أخفض من الركوع"2.
ويجب استقبال القبلة إن استطاع، لقوله تعالى: {حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} 3، ويركع ويسجد، فإن لم يستطع الاستقبال صلى على حسب حاله، وإن عجز عن الركوع أو السجود أومأ بما عجز عنه، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 4.
__________
1حاشية رد المختار: ابن عابدين 2/40
2رواه الترمذي 2/266، 267، وقال: هنا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البدخي، لا يعرف إلا من حديثه.
3سورة البقرة، الآية (144)
4سورة البقرة، الآية (286)
(1/205)


الصلاة في السفينة:
ويجوز لراكب السفينة أن يصلي الفرض فيها لعذر شرعي، لما ذكرنا من الأدلة السابقة، ويصلي على قدر الاستطاعة، فإن تمكن من الصلاة قائما، وإلا صلى جالسا، وإن تمكن من الركوع ركع، وإلا أومأ برأسه، وإن تمكن من السجود سجد، وإلا أومأ بأسه، فإن أومأ بالركوع والسجود جعل السجود أخفض من الركوع.
ويجب استقبال القبلة عند الافتتاح وكلما دارت، إن تمكن، فإن عجز، صلى على حسب حاله حرصا على أداء الصلاة في وقتها.
وما يقال في السفينة، يقال في القطار ونحوه من وسائل المواصلات.
واختلف أهل العلم فيمن يصلي في السفينة قاعدا وهو قادر على القيام على قولين:
الأول: أجازه أبو حنيفة، لما روي عن سويد بن غفلة أنه قال: سألت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما عن الصلاة في السفينة فقالا: إن كانت جارية يصلي قاعدا، وإن كانت راسية يصلي قائما، وعلل الكاساني جواز القعود مع القدرة على القيام: بأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالبا1.
الثاني: لا يجوز وإن فعله لا يصح، وإليه ذهب أبو يوسف
__________
1 بدائع الصنائع: الكاساني 1/109، 110.
(1/210)


ومحمد بن الحسن، وقال زفر والشافعي: لا يجزئه إلا أن يصلي قائم1.
واستدلوا بحديث عمران بن الحصين أنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب" 2، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمران أن يصلي قائما، فإن عجز صلى قاعدا، فلا ينتقل من القيام إلى القعود إلا عند عدم الاستطاعة التي تمنعه من القيام، والمصلي في السفينة هنا قادر على القيام، فلا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحبشة، أمر أن يصلي في السفينة قائما، إلا أن يخاف الغرق، ولأن القيام ركن من الصلاة، فلا يسقط إلا بعذر ولم يوجد3.
والراجح: القول الثاني؛ لإسناده على أدلة صحيحة صريحة، وما استدل به أبو حنيفة من قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيحتمل أن يكون ذلك لأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالبا، أو لغير عذر، وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستلال.
وتجوز الصلاة في السفينة قياما جماعة إذا أمكنهم ذلك، فإذا لم يستطيعوا الصلاة في السفينة قياما جماعة، وأمكنهم الصلاة فرادى قياما، فهل يصلي كل واحد منفردا أم يصلون جلوسا جماعة؟ على ثلاثة أقوال:
__________
1 المصدر السابق 1/107
2 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب.
3 بدائع الصنائع: الكساني 1/109 (بتصرف يسير)
(1/211)


قال في الإنصاف1: خير بينهما على الصحيح من المذهب ... وقيل: صلاته في الجماعة أولى، وقيل: تلزمه الصلاة قائما.
ورجع صاحب الإنصاف القول الثالث، وعلل بقوله: لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، وهذا قادر، والجماعة واجبة تصح الصلاة بدونها.
__________
1 الإنصاف في معرفة الراجع من الخلاف: المرداوي 2/309.
(1/212)


الصلاة في الطائرة، حكمها وكيفيتها:
والصلاة في الطائرة جائزة إذا خيف خروج الوقت، كطلوع الشمس قبل صلاة الصبح أو غروبها قبل صلاة العصر، وذلك قبل أن تهبط الطائرة في المطار، فإنه يصلي فيها ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، ويصلي على الحالة التي تطاق بها، ولا ينتقل إلى غيرها إلا مع العجز.
فإن وجد موضوع يؤدي فيه الصلاة قائما فعل، فإن لم يجد صلى على كرسيه ولو بالإيماء، فإن كانت جمعا كالظهر والمغرب أخرها، ولو دخل وقت الثانية، حتى ينزل فيصليهما جمعا، فإن خشي خروج الوقتين صلاهما على حسب حاله.
وقد ورد هذا السؤال إلى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية:
إذا كنت مسافرا في طائرة وحان وقت الصلاة، هل يجوز أن نصلي في الطائرة أم لا؟ فأجابت اللجنة بما يلي:
إذا حان وقت الصلاة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها في وقتها بقدر الاستطاعة ركوعا وسجود واستقبالا للقبلة، لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} 1، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم ... " 2.
__________
1سورة التغابن، الآية (16)
2رواه مسلم 1/975 ح 1337.
(1/213)


أما إذا علم أنه ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيرها، كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، وعلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائها، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة كما تقدم وهو الصواب.
(1/214)


�رس 0�1�d H���ين مكة وعسفان ومكة وجدة، وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام، وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي.."2.
قال ابن قدامة: وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر، لأن الأصل الإتمام، فلا يزول بالشك، والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر، فلو نوى سفرا طويلا فقصر، ثم بدا له فأقام أو رجع، كانت صلاته صحيحة، ولو خرج طالبا لآبق أو منتجعا غيثا، متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهرا.
ولو خرج مكرها كالأسير يقصد به بلدا بعينه فله القصر، لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر، فإذا وصل حصنهم أتم حينئذ نص عليه، وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة، فسلك البعيدة ليقصر، فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله، فجاز له القصر، كما لو لم يكن له طريق سواه3.
الثاني: أن يكون السفر مباحا؛ لأن الأسفار تنقسم إلى خمسة
__________
1 والفرسخ ثلاثة أميال، والميل (1609م) تقريبا، 16 × 3 = 48، 48× 1609= 77232 مترا، أي ما يزيد على سبعة وسبعين كيلو مترا، فأوصلناها ثمانين كيلو مترا تقريبا.
2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/212، ويلاحظ أن الشيخ يرجح الرأي الأخير الذي لا يحدد المسافة، بل يربطها بالعرف.
3 انظر الكافي: ابن قدامة 1/196، والمغني: ابن قدامة 2/258، 259.

(1/185)


أقسام:
1- حرام كسفر لفعل محرم، كالسفر لبلاد الكفر بحثا عن الدعارة والمخدرات والجريمة، وسفر قطاع الطريق واللصوص ومن في حكمهم، ممن ينشرون الفساد في الأرض ويؤذون المؤمنين، ومنه سفر المرأة بلا محرم.
2- مكروه كالسفر وحده.
3- مباح كالسفر للنزهة.
4- واجب كالسفر لفريضة الحج أو العمرة أو الجهاد.
5- مستحب كالسفر للحجة الثانية.
والسفر المباح هو ما ليس بحرام ولا مكروه.
قال ابن قدامة: فإن سافر لمعصية كالآبق، وقطع الطريق والتجارة في الخمر لم يقصر، ولم يترخص بشئ من رخص السفر، لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يرد الشرع بذلك1.
ويمنع المسافر إلى معصية من رخص السفر، فيمنع من قصر الصلاة والمسح على الخفين ثلاثة أيام، والفطر في رمضان، فإن انقلب السفر المحرم مباحا كأن يعود من سفره تائبا مستغفر جاز له القصر بشروطه.
الثالث: أن يشرع في السفر ويفارق عامر قريته، لقول الله تعالي: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} 2،
__________
1 انظر الكافي: ابن قدامة 1/197.
2 سورة النساء، الآية (101) .
(1/186)


لأنه لا يكون ضاربا في الأرض إلا إذا شرع في السفر، ولا يجوز له القصر ما دام في قريته ولو كان عازما على السفر أو مرتحلا أو راكبا يمشي بين البيوت.
قال ابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره، وبهذا قال مالك والشافعي والأوزاعي وإسحق وأبو ثور، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين1.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر: أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها2.
وروي عن أنس رضي الله عنه قال: "صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين"3.
ويرى بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو في بيته.
والصحيح أن القصر مع نية الإحرام بالصلاة، لأنه إن أطلق النية، فستنصرف إلى الأصل وهو الإتمام، وإن نوى الإتمام لزمه.
الخامس: أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر، فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها، لأنه تعين فعلها أربعا، فلم يجز النقصان فيها، كما لو نوى أربع ركعات، ولأن القضاء معتبر بالأداء،
__________
1 المغني: ابن قدامة 2/259.
2 المغني: ابن قدامة 2/260.
3 رواه البخاري 2/36 كتاب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه.
(1/187)


والأداء أربع1.
السادس: أن لا يأتم بمقيم، فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها، فعن موسى بن سلمة أنه قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم2.
وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ولأنها صلاة مردودة من أربع، فلا يصليها خلف من يصلي الأربع3.
واشترط جماهير أهل العلم أن يكون واقعا في مدته، وهي أربعة أيام فأقل لمن عزم على الإقامة.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/197، 198.
2 رواه أحمد 1/216 مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصحح إسناده أحمد شاكر في حاشيته على المسند 3/260.
3 الكافي: ابن قدامة 1/198.
(1/188)


مسائل تتعلق بالقصر:
1- فمن أحرم بالصلاة في بلده ثم شرع في سفره، فإتمام الصلاة واجب في حقه لأنه ابتدأ الصلاة في حال يلزمه فيها الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة راسية في نهر يشق البلد، فلما كبر للصلاة مشت السفينة وفارقت البلد وهو في أثناء الصلاة، فهذا أحرم في البلد ثم سافر فيلزمه الإتمام.
2- ومن أحرم بالصلاة مسافرا قبل أن يدخل بلده، ثم دخل البلد أثناء الصلاة، يلزمه الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة أحرم بالصلاة قبل أن يدخل البلد، ثم دخل أثناء الصلاة البلد فيلزمه الإتمام.
وهاتان المسألتان: الولي والثانية: يمنعه، فغلب جانب المنع؛ لما عليه الفقهاء إذا اجتمع مبيح وحاظر فالحكم للحاظر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"1، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.." 2.
قال ابن قدامة تعليقا على المسألتين: لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر، ووجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب حكمه كالمسح3.
3- من نسي صلاة الحضر فذكرها في سفر، لأن هذه الصلاة لزمته تامة،
__________
1 رواه الترمذي 4/668 ح 2518، وقال: حسن صحيح.
2 رواه مسلم 2/1219، 1220 ح 1599.
3 الكافي: ابن قدامة 1/198.
(1/189)


فوجب قضاؤها تامة، عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: ".. إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها" 1 أي يصلي هذه الصلاة كما هي إذا ذكرها.
1- من نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر، قال النووي: وإن فاتته صلاة في السفر
فقضاها في الحضر، ففيه قولان: قال في القديم: له أن يقصر لأنها صلاة سفر، فكان قضاؤها كأدائها في العدد، كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر، وقال في الجديد: لا يجوز له القصر، وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض.
وإن فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان: أحدهما: لا يقصر لأنها صلاة ردت من أربع إلى ركعتين، فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة. والثاني: له أن يقصر، وهو الأصح، لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض2.
2- مسافر ائتم بمقيم، فيجب أن يتم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 3، فإن أدرك ركعة في الظهر أتى بثلاث، وإن أدرك التشهد أتى بأربع. ولو أدرك المسافر من الجمعة
__________
1 رواه الترمذي 1/334 ح 177، وقال حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح.
2 المجموع: النووي 4/366.
3 رواه البخاري 1/156 كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار.
(1/190)


أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا لائتمامه بالمقيم1، فإن أدرك ركعة أتمها جمعة.
1- مسافر ائتم بمن يظن أنه مقيم أو يشك في كونه مسافرا أو مقيما، فيجب عليه الإتمام وإن قصر إمامه اعتبارا بالنية، لأن من شروط القصر أن ينويه بنية جازمة غير متردد.
فإن علق نيته بقوله: إن أتم إمامي أتممت، وإن قصر قصرت، فله متابعة إمامه، إن قصر ففرضه القصر، وإن أنم ففرضه الإتمام، ولا يدخل هذا في الشك، لكنه من باب تعليق الفعل بأسبابه.
فإن غلب على ظنه أنه مسافر لوجود ما يدل على ذلك، كمن يحمل أمتعة سفر في المطار، فله أن ينوي القصر، وعليه أن يتبع إمامه، فإن قصر تبعه، وإن أتم تبعه.
2- قال ابن قدامة في كلامه عن المسافر: ولو نوى الإتمام أو ائتم بمقيم ففسدت الصلاة وأراد إعادتها لزمه الإتمام أيضا، لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها خلف المقيم، ونية الإتمام، وهذا قول الشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة: إذا فسدت صلاة الإمام عاد المسافر إلى حاله2.
والراجح أن المسافر يعود إلى حاله فله أن يقصر إذا صلى وحده أو مع جماعة يقصرون، وذلك لأن صلاته التى شرع فيها إنما يلزمه إتمامها تبعا لإمامه لا من الأصل، وبعد أن فسدت زالت التبعية، فلا يلزمه إلا صلاة مقصورة.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/198.
2 المغني: ابن قدامة 2/266.
(1/191)


وكذا مسافر ائتم بمقيم، وبعد شروع الصلاة، ذكر المسافر أنه على غير وضوء، فذهب وتوضأ، فلما رجع وجد الناس قد صلوا، فلا يلزمه الإتمام، لأن الصلاة لم تنعقد أصلا.
1- مسافر دخل وقت الصلاة وهو في السفر، ثم دخل البلد، فإنه يتم اعتبارا بحال فعل الصلاة، أما لو دخل وقت الصلاة وهو في البلد ثم سافر فإنه يقصر.
قال ابن قدامة: قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، لأنه سافر قبل خروج وقتها، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها.
2- مسافر شرع في صلاة رباعية ولم ينو القصر ولا الإتمام. قال ابن قدامة: ولنا أن الأصل الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه1.
وهناك من يرى أنه يقصر لأنه الأصل، والأحوط الإتمام، أما من نوى فعلى حسب نيته، فمن نوى القصر قصر، ومن نوى الإتمام أتم.
3- مسافر شرع في الصلاة ثم شك في نيته، أنوى القصر أم لم ينو؟ قال ابن قدامة: فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام.
وهناك من يرى أنه يقصر ولا يلزمه الإتمام، لأن الأصل في صلاة المسافر القصر، ولأن من شك في وجود شئ أو عدمه فالأصل العدم، فأشبه هنا من لا نية له، والأحوط الإتمام.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/197.
(1/192)


1- مسافر نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فيلزمه الإتمام، والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، عندما قدم إلى مكة في حجة الوداع يوم الحد الرابع من ذي الحجة، وأقام فيها، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء وخرج يوم الخميس إلى منى، فأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة خلافا واسعا، والصحيح أنه إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام لزمه إتمام الصلاة والصوم كغيره من المقيمين، لانقطاع أحكام السفر في حقه، سواء كانت إقامته لدراسة أو لتجارة أو غير ذلك من الأمور المباحة.
وأن نوى إقامة أربعة أيام فأقل، أو أقام لقضاء حاجة لا يدري متى تنقضي، فله القصر لعدم انقطاع أحكام السفر في حقه1.
2- والملاح الذي يسير في سفينة وليس له بيت سوى سفينته، فيها أهله وتنوره وحاجته لا يباح له الترخيص، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الملاح أيقصر ويفطر في السفينة؟ قال: أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم، قيل له: وكيف تكون بيته؟ قال: لا يكون له بيت غيرها، معه فيها أهله، وهو فيها مقيم، وهذا قول عطاء، وقال الشافعي: يقصر ويفطر لعموم النصوص وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الشخير: "أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ " قلت: وما وضع الله عن المسافر؟ قال: "الصوم وشطر الصلاة" 2، ولأن
__________
1 انظر بدائع الصنائع: الكاساني 1/97، وبداية المجتهد: ابن رشد 1/287، والمجموع: النووي 6/263، ومغني المحتاج: محمد الشربيني 1/437، والروض المربع: البهوتي 3/372.
2 رواه النسائي: 4/182 كتاب الصيام، باب فضل الإفطار في السفر على الصيام، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/486 ح 2151.
(1/193)


كون أهله معه لا يمنع الترخيص كالجمال1. والصحيح أن الملاح معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد المغادرة ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته. فلو كان له نية الإقامة في بلد فإنه يقصر لكونه مسافرا وفق ما ذكرناه آنفا من قيد المسافة والزمن.
قال أبو داود: سمعت أحمد يقول في المكاري الذي هو دهره في السفر: لابد من أن يقدم فيقيم اليوم، قيل: فيقيم اليوم واليومين والثلاثة في تهيئة للسفر. قال: هذا يقصر. وذكر القاضي وأبو الخطاب انه ليس له القصر كالملاح، وهذا غير صحيح لأنه مسافر مشفوق عليه، فكان له القصر كغيره، ولا يصح قياسه على الملاح، فإن الملاح في منزله سفرا وحضرا، ومعه مصالحه وتنوره وأهله، وهذا لا يوجد في غيره، وإن سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخيص2.
والفيج: وهو المسرع في سيره الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد أشبه برجل البريد، وهو كالمكاري في حكم القصر.
1- مسافر إلى بلد آخر، ولمقصده طريقان، أحدهما بعيد يبلغ مسافة القصر، والآخر قريب لا يبلغ حد القصر، فسلك أبعدهما، فله القصر، لأنه يصدق عليه أنه مسافر سفر قصر، بينما لو تعمد الأبعد ليتحايل على الفطر في رمضان، فالفطر عليه حرام، والصيام واجب عليه حينئذ.
2- مسافر منع من السفر ولم ينو إقامة كمن حبسه سلطان بحق أو بظلم،
__________
1 المغني: ابن قدامة 2/266.
2 المغني: ابن قدامة 2/265.
(1/194)


أو حبس بعدو أو مرض أو خوف، فإنه يقصر إن كان حبسه أربعة أيام فأقل، فإن كان أكثر من أربعة أيام لم يقصر إلا إذا كان لا يعلم مدة حبسه، فإنه يقصر على كل حال.
1- مسافر لم يجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام، فله القصر. قال ابن قدامة: وإن قال: إن لقيت فلانا أقمت، وإلا لم أقم، لم يبطل حكم سفره، لأنه لم يعزم على الإقامة1.
وكذا من أقام لقضاء حاجة ولم ينو إقامة مطلقة، فإنه يقصر أبدا، لأنه لا يعد مستوطنا، والإقامة تقيد بزمن وتقيد بعمل، فإن نوى أكثر من أربعة أيام أتم، ودونها يقصر وإن قيد إقامته بعمل يقصر فيها أبدا ولو طالت المدة، كمن سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي.
2- إذا كان السفر مباحا، فغير نيته إلى المعصية، انقطع الترخيص لزوال سببه. ولو سافر لمعصية فغير نيته إلى مباح، صار سفرا مباحا، وأبيح له ما يباح في السفر المباح، وتعتبر مسافة السفر من حيث غير النية، ولو كان سفره مباحا فنوى المعصية بسفره، ثم رجع إلى نية المباح، اعتبرت مسافة القصر من حين رجوعه إلى نية المباح، لأن حكم سفره انقطع بنية المعصية، فأشبه ما لو نوى الإقامة، ثم عاد فنوى السفر، فأما إن كان السفر مباحا لكنه يعصي فيه، لم يمنع ذلك الترخيص لأن السبب هو السفر المباح، وقد وجد فثبت حكمه، ولم يمنعه وجود معصية، كما أن معصيته في الحضر لا تمنع الترخيص فيه2.
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/201.
2 المغني: ابن قدامة 2/263، 264.
(1/195)


1- مسافر قلب نيته إلى سفر قصير، لزمه إتمام الصلاة، ولزم من خلفه متابعته.
2- ومن قصر معتقدا تحريم القصر فصلاته فاسدة، لأنه فعل ما يعتقد تحريمه1 (1) .
وقصر الصلاة رخصة، تدل في جوهرها على سماحة الإسلام، ومراعاته لأحوال المسلمين وظروفهم، فكم من التعب يلقاه المسافر! وكم من المشقة يمر بها!
ولكن يجب أن لا ينقطع عن العبادة المفروضة، وينبغي أن لا يتخلى عن التحلي بالسنن والواجبات، حتى يستمر المؤمن في صلته بربه أينما حل وارتحل، فيعيش تملأ حياته الطاعة، ويستقر في نفسه الإيمان.
إنها سماحة الإسلام التي تراعي أحوال المسلم في سفره وفي مرضه وفي خوفه، ويأتي تشريع الحكيم العليم وافيا بما يناسب حال الإنسان في كل زمان ومكان.
إنها عدالة الله تراعي ظروف الخلف، حاملة في طياتها الرأفة والرحمة واليسر، قال الله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} 2.
قال ابن عبد البر: وفي إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر
__________
1 الكافي: ابن قدامة 1/197.
2 سورة المائدة، الآية (6) .
(1/196)


إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أن يلزمه أربع، دليل واضح على أن القصر رخصة، إذ لو كان فرضه ركعتين لم يلزمه أربع بحال1.
__________
1 المغني: ابن قدامة 2/268.
(1/197)


جمع الصلاة في السفر
...
جمع الصلاة في المسافر:
تعريف الجمع وبيان حكمه:
والجمع: هو ضم إحدى الصلاتين للأخرى، ويكون الجمع بين الظهر والعصر، كما يكون بين المغرب والعشاء، ولا يكون في غيرهما، وهو سنة إذا وجد سببه لوجهين:
الأول: أنه رخصة، والله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه.
الثاني: أن فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع، ويدخل هذا في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " ... صلوا كما رأيتموني أصلي.." 1.
وقت الجمع وصفته:
إذا جاز الجمع لوجود السبب المبيح له، صار الوقتان وقتا واحدا، فأنت مخير بالجمع في وقت الأولى، أو في الوقت الذي بينهما، لما روى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل
__________
(1) رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..
(1/198)


العشاء، ثم نزل فجمع بينهما"1.
الأسباب المبيحة للجمع:
1- يجوز الجمع للمسافر سفرا تقصر فيه الصلاة، قال النووي: وفي السفر الذي لا يقصر فيه الصلاة قولان: أحدهما: يجوز لأنه سفر يجوز فيه التنقل على الراحلة، فجاز فيه الجمع كالسفر الطويل، والثاني: لا يجوز، وهو الصحيح لأنه إخراج عبادة عن وقتها، فلم يجز في السفر القصير كالفطر في الصوم2 والسفر الذي يجوز للمسافر أن يجمع فيه هو السفر المباح، ولا يجوز في غيره.
واختلف أهل العلم حول جواز الجمع للمسافر نازلا أو سائرا على قولين:
الأول: لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائرا لا إذا كان نازلا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء "3 يعني إذا كان سائرا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الصلاتين في حجة الوداع لأنه كان نازلا، ولا شك أنه في سفر لأنه يقصر الصلاة.
واحتج عليهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهرين في عرفة وهو نازل، وأجابوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ليدرك الناس صلاة الجماعة، لأنهم بعد الصلاة سوف يتفرقون في موقفهم في عرفة ويشق
__________
1رواه أبو داود 2/12ح1208، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/223، 224ح1607
2 المجموع: النووي 4/370.
3 رواه مسلم 1/488ح 703
(1/199)


جمعهم.
ونظير ذلك أن الناس يجمعون بين المغرب والعشاء في المطر من أجل تحصيل الجماعة، وإلا فبإمكانهم أن يصلوا الصلاة بوقتها في بيوتهم لأنهم معذورون بالوحل.
الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر سواء أكان نازلا أم سائرا، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو نازل، وبأن المسافر في الغالب يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها، إما للمشقة والعناء، وإما لقلة الماء، وإما لغير ذلك، وبأنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه فجوازه في السفر من باب أولى، ولعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر"1.
والصحيح أن الجمع للمسافر مستحب في حق السائر، وجائز في حق النازل، إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.
ولا تشترط النية للجمع، قال النووي: وقال المزني وبعض الأصحاب لا تشترط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، ولم ينقل أنه نوى الجمع ولا أمر إلى بنيته، وكان يجمع معه من تخفي عليه هذه النية، فلو وجبت لبينها2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتنازع العلماء في الجمع والقصر: هل يفتقر إلى نية؟ فقال جمهورهم: لا يفتقر إلى نية، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب أحمد ... وقال
__________
1 رواه مسلم 1/490،491ح705
2 المجموع: النووي 4/374.
(1/200)


الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد: إنه يفتقر إلى نية، وقول الجمهور هو الذي تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
فالنية ليست شرطا عند إحرام الأولى، وإنما يشترط وجود سبب الجمع عند الجمع، لذا للمصلي أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى، أو عند إحرامه في الثانية عند وجود السبب.
إذا حدث فصل بين الصلاتين يمنع الموالاة:
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز:
الواجب في جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين، ولا بأس بالفصل اليسير عرفا، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ... ، أما جمع التأخير فالأمر فيه واسع، لأن الثانية تفعل في وقتها، ولكن الأفضل هو المولاة بينهما تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك " 2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال، لا في الوقت الأولى، ولا في وقت الثانية، فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولأن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة 3 لأن معنى الجمع عنده: هو ضم وقت الثانية للأولى، بحيث يكون الوقتان وقتا واحدا. وليس ضم الفعل.
2- ويجوز الجمع في الحضر للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة وضعف، ويشمل ذلك المريض بأي مرض يجد من الأفراد في الصلاة مشقة، لعموم قول الله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا
__________
1مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/28.
2فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة من أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ص93، 94.
3مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24 / 54
(1/201)


يريد بكم العسر} 1 وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} 2، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر"3، وقيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته. فدل ذلك على انتفاء الخوف والمطر، وعلى انتفاء السفر أيضا لكونه في المدينة، ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع، فيجمع المريض متى لحقه بالإفراد مشقة، سواء أكان صداعا في الرأس أم وجعا في الظهر أم في البطن أم في الجلد أم غير ذلك.
قال ابن قدامة: وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فلم يبق إلا المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سلهة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الإستحاضة، وهو نوع مرض، ثم هو مخير بين التقديم والتأخير، أي ذلك كان أسهل عليه فعله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت، ويؤخر إذا ارتحل قبله طلبا للأسهل، فكذلك المريض، وإن كان الجمع عنده واحدا فالأفضل التأخير4.
3- ويجوز الجمع لمطر يبل الثياب لوجود المشقة من بلل أو برد، وتزداد المشقة مع هذا بوجود ريح شديدة مع هذا بوجود ريح شديدة. ويجوز الجمع لوحل يشق على
__________
1سورة البقرة، الآية (185) .
2سورة الحج، الآية (78)
3رواه مسلم 1/490، 491ح 705.
4سورة البقرة، الآية (185) .
(1/202)


الناس أن يمشوا عليه، ويجوز الجمع للريح إذا كانت شديدة باردة أو كانت شديدة تحمل ترابا يتأثر به الإنسان ويشق عليه.
روى البيهقي عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة"1
وكون النبي صلى الله عليه وسلم جمع في ليلة مطيرة لا يمنع أن يجمع في يوم مطير، لأن العلة هي المشقة، لذا يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشاءين لوجود المشقة.
ولا تنحصر أسباب الجمع فيما ذكرنا من أسباب، ولكن2 إذا دعت الحاجة وشق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها فلا حرج عليه أن يجمع حينئذ.
ومثال ذلك:
المستحاضة بين الظهرين، وبين العشاءين يجوز لها الجمع لمشقة التوضؤ عليها كل صلاة، وكذا مرافق المريض الذي لا يستطيع أن يغيب عن مراقبته ومتابعته قليلا من الوقت خشية هلاك المريض أو تأخر برئه.. فإنه يجمع ولا حرج عليه، والمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن يشق عليه ترك الجمع.
ولا يجوز الجمع لغير عذر شرعي، لأن كل صلاة لها وقتها الذي لا تصح ولا تقبل إلا بدخوله، قال الله تعالى {إن الصلاة كانت
__________
1رواه البيهقي موقوفا على ابن عمر 3/168كتاب الصلاة، باب الجمع في المطر ين الصلاتين، وضعفه الألباني في الإرواء 3/39ح 581، وقال: ضعيف جدا وسنده واه جدا.
2فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (103)
(1/203)


على المؤمنين كتابا موقوتا} 1.، وتقديم الصلاة أو تأخيرها عن وقتها المشروع أداؤها فيه دون عذر، ظلم للنفس، وتعد لحدود الله سبحانه وتعالى: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} 2، وقال تعالى {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} 3، وهكذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض.4.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر5.
__________
1سورة النساء، الآية (103)
2سورة البقرة، الآية (229)
3سورة الطلاق الآية (1)
4مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 22/30.
5المصدر السابق 22/31
(1/204)


هل هناك تلازم بين الجمع والقصر؟
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز: ليس بينهما تلازم، فللمسافر أن يقصر ولا يجمع، وترك الجمع أفضل إذا كان المسافر نازلا غير ظاعن، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه قصر ولم يجمع، وقد جمع بين القصر والجمع في غزوة تبوك، فدل على التوسع في ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يقصر ويجمع إذا كان على ظهر سير غير مستقر في مكان.
أما الجمع فأمره أوسع، فإنه يجوز للمريض، ويجوز أيضا للمسلمين في مساجدهم عند وجود المطر بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، ولا يجوز لهم القصر، لأن القصر مختص بالسفر فقط1.
وإن2 أتم الصلاتين في وقت الأولى، ثم زال العذر بعد فراغه منهما، قبل دخول وقت الثانية، أجزأته، ولم تلزمه الثانية في وقتها، لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزية عن ما في ذمته، وبرئت ذمته منها، فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك، ولأنه أدى فرضه حال العذر، فلم يبطل بزواله بعد ذلك، كالتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة.
__________
1فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة: ابن باز ص88، 89 بتصرف يسير.
2المغني: ابن قدامة 2/281.
(1/205)


ما هي رخص السفر؟
رخص السفر أربعة:
1- صلاة الرباعية ركعتين.
2- الفطر في رمضان، ويقضيه عدة أيام أخر.
3- المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مرة مسح.
4- سقوط المطالبة براتبة الظهر والمغرب والعشاء.
أما راتبة الفجر وبقية النوافل فإنها باقية على مشروعيتها واستحبابها، فيصلي المسافر صلاة الليل وسنة الفجر وركعتي الضحى وسنة الوضوء وركعتي دخول المسجد وركعتي القدوم من السفر.. فإن من السنة إذا قدم الإنسان من سفر أن يبدأ قبل دخول بيته بدخول بيت الله (المسجد) فيصلي فيه ركعتين.
وهكذا بقية التطوع بالصلاة فإنه لا يزال مشروعا بالنسبة للمسافر ما عدا ما قلت سابقا، وهي: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الرواتب الثلاث1.
هل تسقط مشروعية السنن الرواتب في السفر؟
المشروع ترك الرواتب في السفر ما عدا الوتر سنة الفجر، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث ابن عمر وغيره، أنه كان يدع الرواتب في السفر ماعدا الوتر وسنة الفجر، أما النوافل المطلقة فمشروعة في السفر
__________
1فتاوى إسلامية: مجموعة من العلماء1/404
(1/207)


والحضر، وهكذا ذوات الأسباب، كسنة الوضوء وسنة الطواف وصلاة الضحى والتهجد في الليل لأحاديث وردت في ذلك 1.
__________
1فتاوى إسلامية: مجموعة من العلماء 1/403
(1/208)


صلاة الراكب:
والراكب على الدابة من أهل الأعذار إذا كان نزوله عنها للصلاة يؤذيه. قال ابن عابدين: واعلم أن ماعدا النوافل من الفرض والواجب بأنواعه لا يصح على الدابة إلا لضرورة، كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وخوف سبع وطين ونحوه1.
ومنها خشية فوات رفقة بنزوله، أو يعجز عن الركوب بعد النزول، أو يعجز عن النزول خلال وقت الصلاة ولا يستطيعه إلا بعد فوات وقتها، فمن لحقه عذر شرعي بنزوله صلى على دابته، لحديث يعلي بن مرة، أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقام أو أقام، فتقدم على راحلته فصلى بهم، يومئ إيماء: يجعل السجود أخفض من الركوع"2.
ويجب استقبال القبلة إن استطاع، لقوله تعالى: {حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} 3، ويركع ويسجد، فإن لم يستطع الاستقبال صلى على حسب حاله، وإن عجز عن الركوع أو السجود أومأ بما عجز عنه، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 4.
__________
1حاشية رد المختار: ابن عابدين 2/40
2رواه الترمذي 2/266، 267، وقال: هنا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البدخي، لا يعرف إلا من حديثه.
3سورة البقرة، الآية (144)
4سورة البقرة، الآية (286)
(1/205)


الصلاة في السفينة:
ويجوز لراكب السفينة أن يصلي الفرض فيها لعذر شرعي، لما ذكرنا من الأدلة السابقة، ويصلي على قدر الاستطاعة، فإن تمكن من الصلاة قائما، وإلا صلى جالسا، وإن تمكن من الركوع ركع، وإلا أومأ برأسه، وإن تمكن من السجود سجد، وإلا أومأ بأسه، فإن أومأ بالركوع والسجود جعل السجود أخفض من الركوع.
ويجب استقبال القبلة عند الافتتاح وكلما دارت، إن تمكن، فإن عجز، صلى على حسب حاله حرصا على أداء الصلاة في وقتها.
وما يقال في السفينة، يقال في القطار ونحوه من وسائل المواصلات.
واختلف أهل العلم فيمن يصلي في السفينة قاعدا وهو قادر على القيام على قولين:
الأول: أجازه أبو حنيفة، لما روي عن سويد بن غفلة أنه قال: سألت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما عن الصلاة في السفينة فقالا: إن كانت جارية يصلي قاعدا، وإن كانت راسية يصلي قائما، وعلل الكاساني جواز القعود مع القدرة على القيام: بأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالبا1.
الثاني: لا يجوز وإن فعله لا يصح، وإليه ذهب أبو يوسف
__________
1 بدائع الصنائع: الكاساني 1/109، 110.
(1/210)


ومحمد بن الحسن، وقال زفر والشافعي: لا يجزئه إلا أن يصلي قائم1.
واستدلوا بحديث عمران بن الحصين أنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب" 2، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمران أن يصلي قائما، فإن عجز صلى قاعدا، فلا ينتقل من القيام إلى القعود إلا عند عدم الاستطاعة التي تمنعه من القيام، والمصلي في السفينة هنا قادر على القيام، فلا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحبشة، أمر أن يصلي في السفينة قائما، إلا أن يخاف الغرق، ولأن القيام ركن من الصلاة، فلا يسقط إلا بعذر ولم يوجد3.
والراجح: القول الثاني؛ لإسناده على أدلة صحيحة صريحة، وما استدل به أبو حنيفة من قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيحتمل أن يكون ذلك لأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالبا، أو لغير عذر، وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستلال.
وتجوز الصلاة في السفينة قياما جماعة إذا أمكنهم ذلك، فإذا لم يستطيعوا الصلاة في السفينة قياما جماعة، وأمكنهم الصلاة فرادى قياما، فهل يصلي كل واحد منفردا أم يصلون جلوسا جماعة؟ على ثلاثة أقوال:
__________
1 المصدر السابق 1/107
2 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب.
3 بدائع الصنائع: الكساني 1/109 (بتصرف يسير)
(1/211)


قال في الإنصاف1: خير بينهما على الصحيح من المذهب ... وقيل: صلاته في الجماعة أولى، وقيل: تلزمه الصلاة قائما.
ورجع صاحب الإنصاف القول الثالث، وعلل بقوله: لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، وهذا قادر، والجماعة واجبة تصح الصلاة بدونها.
__________
1 الإنصاف في معرفة الراجع من الخلاف: المرداوي 2/309.
(1/212)


الصلاة في الطائرة، حكمها وكيفيتها:
والصلاة في الطائرة جائزة إذا خيف خروج الوقت، كطلوع الشمس قبل صلاة الصبح أو غروبها قبل صلاة العصر، وذلك قبل أن تهبط الطائرة في المطار، فإنه يصلي فيها ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، ويصلي على الحالة التي تطاق بها، ولا ينتقل إلى غيرها إلا مع العجز.
فإن وجد موضوع يؤدي فيه الصلاة قائما فعل، فإن لم يجد صلى على كرسيه ولو بالإيماء، فإن كانت جمعا كالظهر والمغرب أخرها، ولو دخل وقت الثانية، حتى ينزل فيصليهما جمعا، فإن خشي خروج الوقتين صلاهما على حسب حاله.
وقد ورد هذا السؤال إلى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية:
إذا كنت مسافرا في طائرة وحان وقت الصلاة، هل يجوز أن نصلي في الطائرة أم لا؟ فأجابت اللجنة بما يلي:
إذا حان وقت الصلاة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها في وقتها بقدر الاستطاعة ركوعا وسجود واستقبالا للقبلة، لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} 1، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم ... " 2.
__________
1سورة التغابن، الآية (16)
2رواه مسلم 1/975 ح 1337.
(1/213)


أما إذا علم أنه ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيرها، كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، وعلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائها، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة كما تقدم وهو الصواب.
(1/214)


(1/214)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

الصفحات